MANAR SCIENTIFIC ESTABLISHMENT for HEALTH STUDIES& RESEARCHES

مؤسسة منار العلمية للدراسات والبحوث الصحية

 

 بتصرف من د. فيوليت داغر رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان

إشراف د. فيوليت داغر

حق الصحة

من حقوق الإنسان

الدكتورة فيوليت داغر (إشراف)

 الطبعة الأولى ‏2004‏‏

جميع الحقوق محفوظة

 الناشر المؤسسة العربية الأوربية للنشر

اللجنة العربية لحقوق الإنسان

الأهالي للنشر والتوزيع

سورية- دمشق ص.ب 9503

هاتف00963113320299

 فاكس 00963113335427

 بريد إلكتروني odat-h@scs-net.org

 

Editions Eurabe منشورات أوراب

Commission Arabe des Droits Humains

5, rue Gambetta 92240  Malakoff

Tél0033140921588  Fax 0033140921588

E. mail: achr@noos.fr

ISBN : 2-914595-29-8

EAN : 9782914595292

 

Buds : Studies of the Arab Commission for Human Rights

 

 

مقدمــة

منذ ولادتها، ركزت اللجنة العربية لحقوق الإنسان على مفهوم مركزي، أقر على الصعيد العالمي منذ مؤتمر طهران الدولي لحقوق الإنسان الذي نظمته الأمم المتحدة في 1968، ألا وهو: كل الحقوق للجميع. ذلك باعتبار التكامل بين الحقوق السياسية والمدنية من جهة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية من جهة ثانية، من الشروط الأساسية للتوازن في العلاقة بين الأفراد والجماعات، بين الدولة والمجتمع، بين الشمال والجنوب، بين الدول الغنية والفقيرة وبين المجتمعات المدنية والمؤسسات بين الحكومية.

لقد سعت منظمتنا لإعطاء حق الصحة المستطاع في أدبياتها ونضالاتها، ليس فقط بوصفه في صميم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ولكن باعتباره الجسر المنطقي الجامع لجملة الحقوق. فإن كان المثل العربي يقول: العقل السليم في الجسم السليم، يفترض المنطق أن سلامة النفس والجسد شرط واجب الوجوب، ليس فقط للدفاع عن كافة الحقوق الإنسانية، بل لإمكانية تصور تجسدها في الحياة.

انطلق هذا العمل من حاجة المكتبة الحقوقية والعامة للتسلح بالمعرفة التي تتيح الفرصة لكل فرد في المجتمع ممارسة حياة صحية أفضل والمشاركة باتخاذ قرارات ديمقراطية بما يخص حماية صحة البشر والسير قدما في مضمار الأمن الإنساني المنشود. وعليه خصصت اللجنة العربية لحقوق الإنسان هذا الكتاب، الذي هو بجزء منه مداخلات قدمت في ندوات مختصة، لموضوعة حق الصحة كحق من حقوق الإنسان. تحاول هذه الصفحات الجمع بين الخبرة العملية للمشاركين، هيثم مناع وفيوليت داغر ومنصف المرزوقي، (طبيب بخبرة ميدانية، عالمة نفس تؤهل العاملين الاجتماعيين، طبيب مدرس في الجامعة) وخبرتهم النضالية في مجال حقوق الإنسان منذ سنوات طويلة.

يتناول الكتاب مفهوم حق الصحة ويستقرئ العوامل المانعة والمساعدة على ولوجه في الثقافة العامة، كما يتطرق لدوره في توفير الأمن الإنساني. يتناول أيضا مسألة المرض، ليس من وجهة النظر الباثولوجية أو الوقائية فحسب، وإنما حقوقية- سياسية تسمح باستكشاف العلاقة بين احترام حقوق الإنسان الأساسية ومواجهة المشاكل الصحية بشكل فاعل. يطرح كذلك مشكلة المرض وحق الصحة عبر تسليط الضوء على مرض الإيدز وإشكالية التعامل معه.

تأمل هذه المحاولة الإسهام في عملية تفعيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الممارسة اليومية، انطلاقاً من ضرورة تصور شامل وبنَاء لحقوق الإنسان بما فيها الحق في الصحة. إنها تشدد على رؤية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار المستوى المجتمعي ومناهج التنمية وحسن الإدارة ووفرة السكن والغذاء المناسب ومياه الشرب الصالحة والمرافق الصحية ومستوى مقبول لحياة الأشخاص وحد أدنى من مشاركتهم في قضاياهم. فخبرات البشر وقدراتهم الإبداعية المتعددة الأشكال ستراكم لا محالة ما يتيح للبشرية التخلص من آفات العصر وحماية حقهم في الصحة وفي تعزيز الأمن الإنساني.

باريس في 19/4/2004                                     

الحق في الصحة:

محاولة استقراء للمفاهيم في الواقع العربي

د. فيوليت داغر*

تساؤلات؟؟

عندما طلب إلي إعداد مداخلة عن المفاهيم والممارسات لموضوع غاية في الأهمية إلا وهو الصحة كحق من حقوق الإنسان في المنطقة العربية، تراءت لي أكثر من صعوبة منهجية. فمن نافل القول أن الثقافة الشعبية لم تعتد بعد على هذه المسلَمة، كونها اكتشفت عيادات الأمومة والطفولة والمعالجة المجانية والضمان الصحي وغير ذلك قبل اكتشاف العلاقة بين حقوق الإنسان والصحة، حتى لا أقول قبل حقوق الإنسان. فهل يمكن والحالة كذلك طرح السؤال عن تشريع محلي يعتبر الصحة من حقوق الإنسان ودستور معظم الدول العربية لا يتضمن تعبير حقوق الإنسان؟ هل يمكن إعداد استراتيجيات عمل تنطلق من الالتزامات الدولية التي تتناول حق الصحة (كالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والسياسية والثقافية واتفاقية حقوق الطفل مثلا) وفي معظم الدول العربية لم تتم أقلمة الدستور والقوانين مع الالتزام الدولي بشكل عام؟ هل يمكن أن ننسى حالة الفصام الواقعة بين القرار والممارسة، بين القانون والواقع، بين الالتزام بنص حقوقي وتطبيقه في هذه المنطقة من العالم؟

ما يعقَد الأمر هو تداخل عوامل لا حصر لها في مفهوم حق الصحة: كالنظام العولمي، مستوى ونمط التنمية المجتمعي، معيشة الأفراد، وفرة العمل، شروط السكن، المفهوم المحلي للغذاء المناسب، توفر مياه الشرب الصالحة ووجود مرافق صحية الخ (1). مما تترتب عليه بالتالي مشاكل منهجية على الصعيد العالمي وليس فقط العربي.

لو رصدنا التوجهات الأساسية للعولمة التي ما زال اقتصاد السوق السمة الأقوى والأهم فيها، لتناول سؤالنا انعكاسات نسبية تأثير الدولة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على حق الصحة تحديدا ومكتسبات الناس في الضمان الصحي؟ عندما يطرح هذا السؤال بحدة في بلدان متقدمة اقتصاديا، هل يمكن إغماض العين عنه في الحلقة الاقتصادية الأضعف؟ أليس من المضحك أن يكون حق ملكية إنتاج الدواء أقوى من حق المريض في الدواء ؟ ألسنا بحاجة اليوم لرفع حق الملكية العلاجية في البلدان التي أصبح فيها حق الحياة على كف عفريت كما فعلت اليونسكو بالنسبة لحقوق الملكية المتعلقة بالمؤلفات العلمية للبلدان الفقيرة؟

* فيوليت داغر: رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان ودكتورة في علم نفس الذي تدرسه. لها كتابات في ميادين مختلفة.

صحيح أن مفهوم الصحة كمسؤولية وكحق للدولة والمجتمع يختلف من بلد لآخر، لكن كيف يمكن فهم أن تخصص الدول النفطية العربية للإنفاق على الصحة، على سبيل المثال لا الحصر، في أعلى نسبة لها 5،3% (حال المملكة العربية السعودية) في حين لا تقل نسبة الإنفاق هذه في أوربة الغربية (حيث يوجد عوامل لا حصر لها تسهم في حماية الصحة خارج الإنفاق الصحي) عن 8%  وتبلغ في لبنان 11،8 % ؟ صحيح أن الإنفاق السنوي الأعلى للمواطن على الصحة في العالم العربي هو في دولة قطر (849 دولار)، لكنها بالمقارنة مع مستوى المعيشة فيها، تخصص وحسب 3،2% من دخلها القومي للصحة (2).

بعد هذه التساؤلات، لنا عودة لنقطة البدء علنا نستقرئ أسباب التأخر في الدولة والمجتمع في العالم العربي في تبلور حق الإنسان في الحماية الصحية. 

عود على بدء

إذا كانت قوانين الصحة تعود إلى قدم القانون نفسه، لم تكن الصحة من الحقوق الأولى للإنسان في الأدبيات الكلاسيكية الغربية لهذه الحقوق. لقد ارتبط تعريف الحقوق الطبيعية بالملكية والحرية والمساواة والمقاومة. وسمى "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" في فرنسا حق الملك والأمن وحق مقاومة الظلم والاستبداد بالحقوق الطبيعية. لقد نشأ حق الصحة والضمان الصحي خارج المنظومة الفكرية الأولى لحقوق الإنسان، قادما من الأوساط النقابية والمهنية التي بدأت تطور برامج مطلبية تتناول ما نسميه اليوم بحق الصحة. وقد ضمّنت الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان فيما سمته "تكملة إعلان حقوق الإنسان والمواطن"(1936) حق الصحة في شرحها لمفهوم حق الحياة في المادتين الثانية والثالثة. ذلك باعتباره أول حق من حقوق الإنسان، يشمل حق الأم في الرعاية وحق الطفل في كل ما هو لازم لاستكمال تكوينه الجسدي والروحي(...) وحق الشيوخ والمرضى والعجزة في نظام الحياة الذي يتطلبه ضعفهم، وحق الجميع في الاستفادة من كافة وسائل الحماية التي يحققها العلم على قدم المساواة(3).

لعل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو أول وثيقة عالمية الطابع نصت على حق الأشخاص في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والعناية الصحية وتأمين المعيشة في حال المرض (المادة 25).

لقد أثارت النقاشات الأولى لحق الصحة في العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية موضوع القدرة على احترام الدول لنص قابل للتحقيق. فجرى رفض المسودة التي طالبت بتأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية في حالة المرض واستبدلت بصيغة أكثر هلامية، حيث جاء في المادة 12 منه:

1-تقر الدول الأطراف في العهد الحالي بحق كل فرد في المجتمع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية،

2-تشمل الخطوات التي تتخذها الدول الأطراف في العهد الحالي للوصول إلى تحقيق كلي لهذا الحق ما هو ضروري من أجل:

(ا) العمل على خفض نسبة الوفيات للأطفال ومن اجل تنمية الطفل الصحية،

(ب) تحسين الجوانب البيئية والصناعية،

(ج) الوقاية من الأمراض المعدية والمتفشية ومعالجتها وحصرها،

(د) خلق ظروف من شأنها تأمين الخدمات والعناية الطبية في حالة المرض".

للأسف، توقفت العديد من المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان عند النص الذي أقر وكأنه مقدس، ناسية واجبها في النضال من أجل "تأمين الخدمات والعناية الطبية في حالة المرض" (دون ما سطرنا تحته من تحفظ للدول أصبح قاعدة). علما بأن العديد من دول العالم تجاوزت في مفهومها لحق الصحة نص العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. 

يشكّل اعتراف القانون الدولي بحق الإنسان في بيئة سليمة تثبيتا للحق في الصحة، بما أن تلوّث البيئة هو اليوم من أهم عوامل تهديد الصحة. وقد ثبت الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان هذا الحق في المادة 24 وتوقف عند حق كل شخص في التمتع بأفضل حالة صحية بدنية وعقلية يمكن الوصول إليها (المادة 16). وقد تضمنت المادة نفسها تعهد الدول باتخاذ التدابير اللازمة لحماية صحة شعوبها وضمان حصولها على العناية الطبية في حال المرض.

لم يتطرق الميثاق العربي لحقوق الإنسان لحق الصحة إلا بإشارته لحق الشباب في أن تتاح له أكبر فرص التنمية البدنية والعقلية. في حين كان حق الصحة في إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام من أكثر الحقوق انسجاما مع النقاشات المعاصرة لهذا الحق في الوسطين بين الحكومي (الأمم المتحدة) وغير الحكومي. وتعتبر المادة 17 منه، من واجب الدولة والمجتمع حق الرعاية الصحية والاجتماعية بتهيئة جميع المرافق التي تحتاج إليها في حدود الإمكانات المتاحة. وتنص المادة نفسها على العلاج باعتباره من الحاجات الأساسية التي تكفلها الدولة.

من جانبه، نص ميثاق الطفل في الإسلام في المادة التاسعة منه على أن: "للطفل حق التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، وله حق استخدام مؤسسات الوقاية والعلاج وإعادة التأهيل".

من الضروري برأينا التوقف عند كل ما هو متقدم في النصوص والكتابات الإسلامية حول حق الصحة. من جهة، لأن هذا الحق لا يشكل موضوع اختلاف عند جمهور العلماء. وهو أيضا يعتبر مرجعية مقبولة وموثوقة عند أغلبية الذين يحتاجون للتجسيد الفعلي لحق الصحة في حياتهم. ويمكن القول أن السلطات السياسية قد قيدت ما يتعلق بالحقوق المدنية أو السياسية هنا أو هناك بنسبة أو بأخرى. لكنها لم تتوقف كثيرا عند حق الصحة بالمنع أو التقييد على صعيد وسائل التعبير المختلفة، حيث لا يستهدف شكل أو بنيان السلطة السياسية. وهنا يطرح السؤال: هل تم الاستفادة من هذه الميزة لخلق وعي عام بحق الصحة كحق إنساني؟ ألم يكن هناك أحيانا موقف غير مكترث بإمكانية ولوج مفهوم حقوقي أرقى وأشمل عبر إعطاء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام الأهمية التي تستحق؟

منذ إعلان طهران (1968) الذي نص في فقرته 13 على أن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية غير قابلة للتجزئة، أصبح من المقبول به نظريا ما نصت المادة عليه. أي، "يستحيل التحقيق الكامل للحقوق المدنية والسياسية من غير التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية". لكن لم تستطع أهم المنظمات غير الحكومية اللامتخصصة من تحقيق الوحدة الجدلية بين الحقوق الخمسة (التي نضيف لها اليوم الحقوق البيئية). ويمكن القول أن العالم العربي قد حمل هذه المعضلة العالمية الطابع كغيره. فما زال الاهتمام بحق الصحة محدود بذوي الاختصاص المهني أو المجالي thematic، (مما انعكس على تجربتنا في اللجنة العربية لحقوق الإنسان، حيث لم نوفق تماما في الربط بين الحقوق).

رغم تنامي الوعي العام بانتهاكات الحقوق السياسية والمدنية، لا زلنا في العالم العربي نعاني من مشكلة بلورة خطاب مقبول من الإعلام، مفهوم من المجتمع وقابل للترجمة من الحكومات فيما يتعلق بحق الصحة. فهذا الحق ليس أمنية أو رغبة أو برنامج في ذاته. ومن غير الممكن تجميده أو شمله بحالة الطوارئ أو نسيانه بمبدأ الأفضلية والأولوية. دخول الصحة في الوعي الجماعي كحق من حقوق الإنسان يعني بعث الثقة بضرورة تغيير الأوضاع الصحية اللا إنسانية في أماكن كثيرة من منطقتنا والعالم. وما من شك بأن المواطن الأوربي يشعر بنوع من الأمن الإنساني الحقيقي عندما يعلم بأن "الميثاق الاجتماعي الأوربي" ينص في المادة 11 على: "حق حماية الصحة" وفي المادة 13 على: "الحق في المساعدة الاجتماعية والصحية".

لعل من الضروري التذكير باستمرار بأن المواثيق الإسلامية لا تتعارض، كما نوهنا أعلاه، إن لم نقل تصب تماما في خطاب حقوقي متقدم في موضوع حق الصحة. الأمر الذي يجعل من هذا الانسجام بين الثقافة المحلية والثقافة الحقوقية عنصر تعزيز وتسريع لتعريف المجتمع بحقه في الصحة العامة. وكذلك في مسؤولية حكومته ليس فقط في جعل المجتمع يتمتع بالعناية الصحية وإنما أيضا في تأمين الغطاء المادي لهذه العناية. فشعار "الصحة للجميع" يطرح علينا السؤال الخاص بواجبات الدول التي تتجاوز تعزيز المسؤولية التقليدية للصحة العامة إلى مفهوم المسؤولية المبصرة لعلاقة مياه الشرب ومستوى التعليم والغذاء الكافي بالتمتع الفعلي بحق الصحة.

من هنا، كان علينا تحديد مفهوم الصحة نفسه حتى تتكون لنا فكرة واضحة. من جهة عن الشروط الدنيا التي تمكن من ممارسة هذا الحق، وللتعرّف من جهة أخرى على المستويات والآليات والمسؤولية في انتهاكه.

الأمر ليس ببسيط، فالجدل محتدم منذ قرون حول طبيعة الصحّة. وقد زاد التعريف الذي أشاعته منظمة الصحة العالمية الطين بلّة، حيث تجعل منها "حالة من الرفاهية التامة البدنية والنفسية والاجتماعية". وكما يقول الزميل منصف المرزوقي(4)، "نحن هنا أمام تعريف للسعادة وليس للصحة، ومن الصعب أن نترجم مثل هذا الرأي إلى أمور عملية قابلة للمتابعة والتقييم". إننا نوافقه على اعتبار الصحة  "حالة الرضى النفسية الناجمة عن  قدرة الشخص على الفعل المستقلّ والتفاعل المتوازن بفضل ما يتوفر عليه الجسم من برنامج جيني سليم وما يوفره له المحيط  من موارد مادية وعلاقات بشرية إيجابية".

لفهم كيفية بلورة هذا الحق عمليا، لا بد من التفريق بين وضعيات ثلاث هي: تعهد الصحة أي توفير شروطها الدنيا لكلّ شخص حيّ، وحفظ الصحة من الأخطار التي تتهددها، ورد الصحة لمن افتقدها.

* التعهّد: لقد اصبح بديهيا للأطباء اليوم العلاقة المباشرة بين الإمراض (الباثولوجيا) والموت المبكر وبين التمكن من الشروط الدنيا للصحة وهي: الماء الصالح للشرب والغذاء المتوازن والسكن اللاّئق والتعليم.

تظهر كل الإحصائيات في العالم أن أهم عوامل طول العمر والتمتع أطول وقت بالصحة مرتبط بهذه العوامل الأربعة. فالتباين في التمتّع بها (وليس عدد الأطباء والمستشفيات) هو ما يفسر الفرق الشاسع مثلا بين نسبة وفيات الأطفال التي تبلغ في الصومال (219 للذكور /198 للإناث) وفي موريتانيا (174 للذكور/167 للإناث) على الألف، في حين أن النسبة في فرنسا مثلا (4 للذكور/5 للإناث) وفي اليابان تصل إلى خمسة في الألف.

"لقد انتبه الطب الاجتماعي للظاهرة هذه عندما لاحظ أنّ انهيار نسبة الوفيات بالسل في بريطانيا على امتداد القرن التاسع عشر والعشرين بدأ قبل اكتشاف جرثومة "كوخ ". وتواصل قبل اكتشاف المضادات الحيوية. ووصل إلى حدوده الدنيا قبل اكتشاف التلقيح في بداية الخمسينيات. وكان التفسير الوحيد لانهيار الوباء هو التحسن الملحوظ في المستوى المعيشي للسكان وخاصة الغذاء والسكن. وهذا ما يجعل تعهّد الصحة في الواقع مساويا للتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ككل"(5). كذلك يبرز معنا في الدراسات النفسية–الاجتماعية أن الاعتبار الاجتماعي والمهني، والدور، والمشاركة في الشأن العام، والإحساس بحماية المجتمع والدولة للأفراد، عوامل لها تأثيرها الهام على الوضع الصحي العام.

يتّضح مما سبق أن تمكين جموع الناس من شروط الصحة الأساسية مرتبط أوثق الارتباط بكيفية إنفاق الثروة الجماعية وطبيعة النظام السياسي والاجتماعي.

لقد أظهرت الباحثة الهندية Swaminathan  Mina في دراسة قارنت فيها وضعية العائلة في 135 بلدا أن ظروف تعهّد الصحة والحفاظ عليها في ميدان رعاية الأمومة والطفولة تتدرّج من الحسن إلى الأسوأ حسب نسبة التقدّم الاقتصادي والاجتماعي والنظام السياسي. فأحسن ما يقدم من خدمات هو في البلدان المتقدمة ذات الفلسفة الاشتراكية مثل البلدان الاسكندنافية. تليها البلدان المتقدمة ذات أيديولوجيا السوق. تأتي في المرتبة الثالثة البلدان الفقيرة ذات الأيديولوجية الاشتراكية. أما أسوأ الوضعيات على الإطلاق فهي التي تعرفها البلدان الفقيرة التي اختارت أيديولوجيا السوق.

من البديهي إن مثل هذه البلدان تمنع فعليا من التمتع بحق الصحة في غياب شروط التعهّد وغياب سياسة الحفظ وعدم توفّر الأغلبية على الضمان الاجتماعي الذي يسمح بتغطية مصاريف العلاج.

المفارقة اليوم انه في الوقت الذي تتحسّن فيه في بلدان الشمال إمكانيات الطب العلاجي أي ردّ الصحّة، هناك تدهور كبير في الشروط الأولية للتمتع بحق الصحة في بلدان الجنوب. وكما أشرت أعلاه، فإن جملة المؤسسات الدولية الاقتصادية تعير القليل من الاهتمام لحق الصحة. سواء كان ذلك في برامج إعادة الهيكلة، أو في جدولة القروض، أو في مساعدات الدول الغنية للفقيرة، أو في رفض أية سياسة عالمية لمكافحة التلوث واحترام البيئة على صعيد كوكبنا. ويمكن القول أن التوجه المتسارع للتسلح في أغنى بلد في العالم (الولايات المتحدة) يترك لا محال أثارا سلبية على حق الصحة في بلدان الجنوب. 

 

* حفظ الصحّة : يتعلق الأمر في غياب الشروط الأساسية للصحة بحماية كل المعرّضين للمرض، بحكم عامل الفقر والجهل، بجملة من التدابير أهمها: التلقيح والتربية الصحية وتحسين المحيط والتقصّي screening –depistage ، أي محاولة اكتشاف الأمراض قبل استفحالها.

هذه هي مسؤولية السلطات العمومية ممثلة في برامج متناسبة مع الأوضاع العيانية يلعب فيها الطب الاجتماعي دورا أساسيا. إلا أنه يجب أن لا نغفل مسؤولية المواطنين أنفسهم، إذ يقابل كلّ حقّ واجب. وواجب الصحّة في هذا الصدد هو واجب المواطن في المشاركة الواعية في كل ما من شانه الحفاظ على صحته.

* ردّ الصحّة : يطرح هذا الموضوع عندما يسقط الإنسان فريسة المرض، إما لحدث طارئ أو لعيب خلقي أو لانعدام الظروف الدنيا للصحة وفشل سياسة الحفظ.

يمكن أن ينتهك الحق في رد الصحة بوسائل عدّة منها: العجز عن دفع ثمن خدمات صحية أصبحت في عصر العولمة الرأسمالية تجارة تخضع لقانون العرض والطلب وتتباين فيها جودة الخدمات حسب نسبة المال الذي بحوزة المريض. ومن البديهي إنّ غياب الضمان الاجتماعي الفاعل وانتشار جيوب الفقر، من العوامل التي تحد من تمتع الناس بما يوفره الطب الحديث من إمكانيات.

يضاف لذلك كلّ الانتهاكات الممكنة والمتعلّقة بأخلاقيات الأطباء وتصرفاتهم تجاه وضعيات خاصّة تتميّز بما يمكن تسميته باستغلال السلطة وسوء استعمالها.

يتضح في النهاية أن إعمال حقّ الصحّة قضية بالغة التعقيد ومرتبطة عضويا بممارسة جملة الحقوق الإنسانية الأخرى.

 

ملاحظات

See: Katarina Tomasevski, Health Rights, in: Economic,Social and Cultural Rights, Martinus Nijhoff Publishers, 1995, p. 125.

جملة الأرقام مأخوذة من منظمة الصحة العالمية في رصدها لأوضاع الدول.

أنظر نص الإعلان والتكملة في: هيثم مناع، الإمعان في حقوق الإنسان، دمشق وبيروت، الأهالي وبيسان وأوراب، الجزء الأول، ص 541 وما بعدها.

منصف المرزوقي، حق الصحة، موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان، ج1، مذكور

 نفس المصدر.

حق الصحة بين الواقع والنظرية

د منصف المرزوقي

فخذوا لأنفسكم بالحزم والحياطة ولمرضاكم بالرفق والتثبّت

واستعملوا الطريق الأفضل المؤدّي إلى السلامة والعاقبة المحمودة

ونزّهوا عمّا تخافون أن يدخل عليكم الشبهة في دينكم ودنياكم

فهو أبقى لجاهكم وأرفع في الدنيا والآخرة .

الزهراوي

 

تنص المادة الخامسة والعشرون من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه:

''لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة ظروف خارجة عن إرادته.

وللأمومة والطفولة الحق في المساعدة والرعاية، ولجميع الأطفال حق التمتع بنفس الحماية الاجتماعية سواء أكانت ولادتهم في إطار الزواج أو خارجه.''

لقد حدّد المشرّع العالمي لنا الحالة المثالية التي يجب، حسب تعبيره في الديباجة، اعتبارها ''المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم''. هذه الحالة المثالية هي تمتّع كل شخص بالحقوق الواردة في الإعلان ومنها حقّ الصحّة.

 لكن ما هي الحالة الحقيقية في انتظار تحقق المشروع الجبّار؟

هنا تحضرنا الحقيقة وهي أن حديثنا عن حقوق الإنسان مرتبط غالبا بغيابها، أننا لا نكثر من الحديث عنها إلا بقدر ما تقلّ ممارستها ويكثر انتهاكها...أن الحق لا يتشكّل كموضوع للبحث ومعركة للنضال إلاّ لأنه ثمة عراقيل تمنع التمتع به. ونحن في آخر المطاف لم نخلق مفهوم حقوق الإنسان إلا من النقيض الذي هو الحالة الغالبة والفاعلة حتى وإن رفضنا له صفة الطبيعية.

معنى هذا أن على القراءة الجادّة لحق الصحة أن تنطلق من واقع انتهاكه، لكن ليس من حقنا الاستسلام للتشاؤم لأن الكأس في الواقع نصف فارغة ونصف ملآنة. فبجانب الانتهاك للحق هناك بالضرورة مساحة داخل المجتمع ككلّ تضيق وتتسع من التمتع به. هكذا ترى النضال من أجل حقوق الإنسان ينطلق من الغياب المكثف والحضور المحتشم لتوسيع رقعة الحضور وتقليص رقعة الغياب.

ثمة فكرة هامة أود لفت انتباه القارئ لها منذ البداية وهي أن حق الصحة ليس جزيرة معزولة في نصّ الإعلان. هو جزء من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (العمل، التغذية، التعليم، الراحة). هذه الحقوق بدورها وثيقة الارتباط بالحقوق السياسية (حرية الرأي والمشاركة والتنظم) المنخرطة في منظومة الحقوق الفردية (الحياة، الكرامة، الحرية، الحرمة الجسدية، الحياة الشخصية، العدالة).

معنى هذا أن أي مسّ لأي حق من هذه المنظومة المتكاملة سيؤثّر بصفة ما على بقية الحقوق. بالمقابل، إن أيّ تحسّن في الحقوق يؤثر إيجابا على حقّ الصحّة.  

لننطلق من هذه الملاحظة ''المتشائلة'' لاستعراض الإشكاليات الكبرى التي تشهد انتهاك حق الصحّة، ويمكن تصنيفها في ثلاثة ميادين: الحق في حرمة الروح والجسد، الحق في أسباب الصحة، الحق في العلاج.

 

الحق في حرمة الروح والجسد

ما أغرب أن يكون الأطباء مصدر انتهاك حقّ الصحّة. والحال أن الصورة المثالية والساذجة تجعلهم أشدّ المدافعين عنه. حتى لا نتجنّى يجب التذكير أن الأطباء هم فعلا على الخطّ الأوّل في تمكين الناس من حق الصحة. لكن هناك ظروف وحالات ( وأطبّاء شواذ) تحيل النعمة نقمة.

 

1 ـ التجارب الطبيـة على الإنسان:

لا شكّ أن موضوع التجريب الطبّي على الإنسان قديم قدم الطبّ نفسه. فهذا الأخير لا يتقدّم إلاّ بالخطأ وتصحيحه، أي بشكل أو آخر من التجريب. لكن بإسم المصلحة العليا لإنسانية مجردّة، وباسم تطورّ العلم، وقع بعض الأطباء في أخطاء جسيمة تمثّلت في اعتبار المريض أو السجين أو الفقير المحتاج أداة تستعمل لأغراض علميّة بحتة. أغراض لا علاقة لها بالمهمّة الوحيدة للطب،ّ وهي تحديدا حفظ الصحّة وردّها.

تاريخ الطبّ القديم والمعاصر حافل بكثير من التجارب التي استعمل فيها الإنسان كفأر مخبر بدون استشارته. وقد شهدت الحرب العالمية الثانية انفجارا في هذه التجارب التي استعملت المساجين، والتي توفر العديد من المعطيات حولها. قام الأطباء، ومنهم أساتذة في كليات الطب على سبيل المثال، بتجارب منها: دراسة نقص الأوكسجين، العطش، البقاء الطويل في الماء البارد.. مما أدّى إلى وفاة مئات المساجين. منها أيضا أحسن وأرخص وسيلة للتعقيم. هكذا جرّب  Shuman و Clauberg على مئات النساء جملة من التقنيات الكيماوية والكهربائية لتدمير المبيضين.

كما وقع حقن مئات المساجين بجراثيم عديدة لدراسة هذا المرض أو ذاك وتجريب أدوية وعقاقير مجهولة المفعول. وفي نفس السياق استعمل الكثير من المساجين السياسيين واليهود والغجر لتجريب عدّة مصائل، منها مصل ضد البرداء أودى بحياة المئات.

لقد اتّضح إبّان محاكمة الأطباء المسؤولين عن هذه التجارب في نورمبرج سنة 1947، أن التجريب الطبّي على الإنسان كان منتشرا في جلّ بلدان العالم الثالث وفي أمريكا نفسها. ومن المعروف أنّه لازال معمولا به في السجون الأمريكية لدراسة الأدوية الجديدة (مقابل مبلغ زهيد للسجين) وفي جلّ مستشفيات العالم بعلم أو بدون علم المريض.

 

2 ـ مشاركة الأطباء في التعذيب:

أصدرت منظمة العفو الدولي سنة 1989 تقريرا عن ضلوع الأطباء في التعذيب في العديد من البلدان (2) ومشاركتهم في عملية الإعدام.

أخيرا وليس آخراً، أظهرت قضية تشخيص المرض العقلي في الاتحاد السوفييتي سابقا عند المعارضين السياسيين ضلوع أطباء الأمراض العقلية في الجهاز القمعي.

 

3 ـ التقصّي الجيني

تمكن التقنيات الحديثة من تقصّي العديد من الأمراض الجينية في الأشهر الأولى للحمل كالتثلث الصبغي، وهو ما يسمح بإجهاض سريع.

الإشكالية أن معرفتنا المتزايدة بالأمراض الوراثية وبجنس الجنين قد يحمل الطبيب على توسيع مجال الإجهاض لا لشيء إلاّ لأنّ الجنين أنثى مثلا أو مصاب بخلل بسيط.

 

4 ـ السرّ المهنـي :

يطرح هذا الموضوع بحدّة في هذه الفترة التي تشهد انتشار مرض عوز المناعة المكتسب. فتقصّي المرض بتحليل الدم أمر بسيط، إلاّ أنّ له مترتّبات خطيرة عديدة منها، كما هو الحال في بعض البلدان العربية، ضرورة إبلاغ السلطة. مما يعني العزل الصحي على المريض.

 

5 ـ زرع الأعضاء:

لا تتعلق الإشكالية هنا بشرعية زرع الأعضاء، لأنّها تدخل في عملية العلاج ولكن بشروطها. ثمة من يأخذون الأعضاء من جسم الهالك بدون رخصة أهله في حالة الرفض. ثمّة أيضا، كما يحدث في البلدان الفقيرة، تجارة رابحة ينتقل فيها الدم والكلى من الفقراء الأصحاء إلى المرضى الأغنياء بمعونة سماسرة مختصين وأطباء متساهلين.

تطرح هذه المسائل على تعدّدها وتباين مستوياتها إشكالية صراع الحقوق. حيث أن حقّ الإنسان في صحّة مهدّد دوما بظهور طرف ثاني يدّعي أن له حقوقا أعلى من حقّ المريض في الصحّة أو في حريته أو كرامته أو حرمته الجسدية.   

هذا الطرف الثالث بالغ التعقيد لأنه في الواقع من ثلاثة أصناف:

-ثمة العلم في البداية، الذي أصبح شيئا مقدّسا لا حرج في تقديم بعض القرابين إليه إذا كان ذلك شرطا لتقدّمه. لكن تحت رداء البحث عن المعرفة أو المصلحة العامّة، نجد في الواقع المصالح المادية والمعنوية للباحثين ومطالب مجتمع ينتظر الكثير من العلم بصفة عامة والطبّ بصفة خاصّة.

-ثمة المجتمع ومصالحه العليا. ومن هذا المنظور دعوة البعض للكشف الإجباري والتعرّف على المصابين بمرض عوز المناعة المكتسب حتى يتم عزلهم وحماية المجتمع من انتشار المرض المخيف. تقدّم نفس الحجة ولو بأقل حدّة في خصوص الأمراض الجينية، حيث لا مصلحة للمجتمع في ولادة أطفال معاقين أو بمرض يستوجب نفقات كبيرة. لذلك تتطلب هذه المصلحة منع مثل هذه الولادات حسب تقديرهم.

 -ثمة أخيرا حقوق الدولة. لقد اعتذر الأطباء الألمان الذين شاركوا في التجارب النازية أو الأطباء السوفييت الذي شاركوا في تشخيص الأمراض العقلية عند المعارضين السياسيين، بضرورة طاعة  السلطة وأخذ مصلحة الدولة (أي النظام السياسي في الواقع) بعين الاعتبار. تستعمل هذه الحجة أيضا لتبرير المشاركة السلبية في التعذيب أو الإعدام أو في عقاب المساجين.

التجاوزات العديدة هذه التي ذهب ضحيّتها عدد هام، ولو أنّه غير مقدّر من البشر، حصلت بإسم علوية مصلحة العلم والمجتمع والدولة على مصلحة الإنسان. لكنها دفعت المهنة الطبية والمجتمع نفسه إلى مراجعة ذاتية شاملة على مستوى فكري وقيمي من جهة، ومستوى قانوني- تنظيمي من جهة أخرى.

 من أهمّ معالمهما ما يلي:

إنّ النظرية القائلة بعلوية مصلحة الطرف الثالث على مصلحة المريض أو الإنسان السويّ مرفوضة جملة وتفصيلا لجملة من الأسباب.

لقد كان القول بهذه النظرية مصدرا لسلسلة من الفظاعات التي يخجل منها الطبّ والتي اتضح في آخر المطاف أنها لم تكن لا ضرورية ولا حتّى مفيدة.

إن المردود السلبي لهذا الخيار أهم بكثير من إيجابياته. مثلا، إذا قلنا بضرورة كشف السرّ المهني في عوز المناعة المكتسب، فإن هذا سيؤدّي بالأغلبية إلى تفادي التقصّي خوفا من المترتّبات. وهو ما يسهّل انتشار الوباء، في حين إن ثقة الإنسان بطبيبه واعتقاده الراسخ بأنّه لن يفشي سرّه هي التي ستدفع به تلقائيا إلى طلب الاختيار وتحمّل مسؤوليته.

إذا قلنا الآن بأولوية "الإنسانية " المجرّدة على الإنسان في البحث عن الأدوية أو اللّقاحات الناجحة، فإنّنا ننسى أن الإنسانية متجسّدة دوما في الإنسان وأنه لا معنى للتصرّفات اللاّإنسانية باسم الإنسانية. كما أننا ننسى أن هناك دوما من هم مستعدون للتضحية في سبيل المصلحة العامة وأن علينا في حالة التجارب الطبية الضرورية أن نتوجه لحسّ المسؤولية لا أن نمارس الغش والخديعة.

إذا قلنا بأولوية مصلحة النظام السياسي لتبرير المشاركة في أي انتهاك لحقوق المريض، فإنّنا ننسى أن الطبّ بمتطلباته الأخلاقية معطى دائم، في حين أنّ تغيّر الأنظمة هو القاعدة. وقد يسأل الطبيب، مثلما حدث  ذلك مرارا في التاريخ، عن مسؤوليته إذا ما انهار النظام الذي خدمه.

إنّ الإجماع اليوم على التصدّي لكلّ التجاوزات والانتهاكات والحفاظ على أقصى قدر ممكن من الأخلاقية الطبية شبه تام. مما أدّى إلى تزايد عدد القوانين والمؤسسات الساهرة على فرض احترام أخلاقيات المهنة. وهي علاوة على الفصل الخامس والعشرين للإعلان:

ـ إعلان نورمبرج (1947): يتعرّض هذا الإعلان لقواعد التجريب في الطبّ، ويحرّم كلّ الأشكال التي لا تستجيب لهذين الشرطين: أن يتم إعلام المريض بالتجربة، أن يعطي موافقته على أساس تقصي قدر ممكن من الحريّة والإدراك.

- إعلان طوكيو (1975): يحرّم هذا الإعلان تحريما قطعيا على الأطباء المشاركة من قريب أو من بعيد في التعذيب ولو كان ذلك تحت التهديد.

-إعلان أثيـنا (1979): يخصّ هذا الإعلان حقوق المساجين الطبية، وهي نفس الحقوق التي يتمتّع بها كلّ الناس.

-  إعلان هاواي (1983 ـ 1977): يحرّم هذا الإعلان استخدام الطبّ العقلي للأغراض السياسية كما يحرّم فرض العلاج. ويطالب بإعلام المرضى وعائلاتهم بكافة حقوقهم ومن جملتها كيفية التعرّض لقرار الإيداع الإجباري في المستشفيات العقلية.

- إعلان مبادئ الأخلاقيـة الطبيّة (1982): يطرح هذا الإعلان جملة من القواعد الأخلاقية التي يجب على الأطباء اتّباعها ويجعل من تحريم المشاركة في التعذيب مطلقا قيميا.

- قواعـد معاملـة السجناء 1984 ـ 1977 ـ 1995: يعطي هذا النصّ للسجناء الحق المطلق في الصحّة والعلاج دون اعتبار لأي من المعطيات الأخرى.

 

بجانب كلّ هذه النصوص نلاحظ بروز ظاهرة جديدة تتمثل في إحداث '' لجان الأخلاق الطبية'' سواء على الصعيد الوطني أو المحلي ( جامعة مستشفى). وهي تضم اختصاصين من ميدان الطبّ والعلوم الإنسانية والإجتماعية، يوكل إليها بمهمّة حماية حقوق المرضى والإرشاد والتوجيه بخصوص الأبحاث الضرورية.

 

ب- الحقّ في أسباب الصحّة 

في زاد المسافر نقرأ لابن الجزار دوافع تأليفه: " إلاّ أنّي رأيت كثيرا من الفقراء وأهل المسكنة يعجزون عن إدراك منافع ذلك الكتاب وغيره من سائر الكتب التي ألفها الحكماء في حفظ الصحة للأصحاء ورد المريض إلى الصحة لفقرهم وقلة طاقتهم الخ...".

لنلاحظ الاختلاف الهام بين هذا وتعريف ابن سينا (حفظ الصحة وبرء مرض). فمن جهة، وقع التأكيد على أن حفظ الصحة مسألة تهم الأصحاء، أي الجماعة ككل ولا تتعامل مثل ما توحي به الأرجوزة مع فرد مهدد.

إن حفظ الصحّة هو اليوم المفهوم المركزي في فلسفة المنظمة العالمية للصحة. ومن هذا المنظور فإن الإشكالية الأساسية ليست توفير المستشفيات بقدر ما هي توفير الأسباب التي تمكّن الأغلبية من الحفاظ على هذه الصحة التي عرَفها المثل العربي بأنها ''تاج على رأس الأصحّاء لا يراه سوى المرضى''. يظهر تقرير المنظمة حول الصحة في العالم، لسنة 2003 الهوّة الرهيبة بين الحق في أسباب الصحة التي تحدّث عنها الفصل الخامس والعشرون وبين الواقع. ففي هذا التقرير نقرأ أنّ عشرة أسباب فقط تتسبّب في ثلث الحمل المرضي، سواء تمثل في نسبة المراضة morbidité أو الوفيات mortalité. هذه الأسباب هي نقص البروتينات والحديد واليود والزنك والفيتامين أ ونقص المياه الصالحة للشرب. كذلك التدخين والعلاقات الجنسية غير المحروسة  وارتفاع الضغط وارتفاع نسبة الكوليسترول.

إن أغلب العوامل ناتجة عن الفقر المدقع، حيث يعيش نصف البشرية على دولارين للشخص في اليوم الواحد وثلث البشرية على دولار يتيم. كما أن هذا الفقر يتوسّع باطّراد نظرا للسياسات المتبعة حاليا في ظل العولمة المتوحشة وتفاقم الهوة بين من يملكون ولا يملكون.

في ظل هذا الوضع القاتم نفاجأ بأن العالم، وخاصة الثالث منه، يواجه آفة نقص المناعة المكتسب، وهو خلافا لما يشاع مرض مرتبط بانتشار الفقر. فثمة اليوم شبه جائحة من هذا المرض ليس فقط في إفريقيا جنوب الصحراء، ولكن أيضا في الهند والصين وروسيا. لقد أظهرت الدراسات الوبائية أن انتشار المرض مرتبط بانتشار الدعارة، وهذه تتبع طرق انتشار التشرّد الاقتصادي والبحث عن العمل ومخيمات اللاجئين. تظهر الدراسات أيضا ارتباط المرض بانخفاض المستوى المعيشي والتعليمي. مما يجعل العلاج الفردي رغم ضرورته مجرّد محاولة إطفاء الحريق بملاعق القهوة.

فعلى الصعيد العالمي والاجتماعي، لا نستطيع ربط انتشار نقص المناعة المكتسب إلا بتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، علما أن المرض بدوره أداة لتعميق الأزمة.

نعود هنا للفكرة التي أشرنا إليها في البداية ألا وهي أن الحق في الصحة لا يؤخذ معزولا عن بقية الحقوق. فتمتّع البشر أينما وجدوا بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هو السبيل لتمتعهم بحق الصحّة. ما عدا ذلك يبقى علاج عرضي لمرض مستفحل، نقبل بانتشاره لعجزنا عن التفاعل معه على مستوى الجذور العميقة.

هذا ما يجعلني أدافع داخل الوسط الطبي على أن الأغلبية الساحقة للأمراض التي تعاني منها البشرية هي انتهاكات لحقوق الإنسان مثل التعذيب والمحاكمات الجائرة. فمرض الملايين الناجم عن سوء التغذية أو التسمّم بالتدخين والكحول، لأن وراءها شركات عملاقة تحثّ على التدخين، ليس قضية قضاء وقدر وإنما نتيجة وضع اقتصادي واجتماعي محلي وعالمي. وضع يقصر الصحة مثل الحرية والحرمة الجسدية على أقلية ويحرم منها الأغلبية.

 

ج- الحق في العلاج

يوجد اليوم في جنوب الصحراء 28 مليون مصاب بمرض نقص المناعة المكتسب، لا يحصل على العلاج سوى واحد في المائة منهم. أما البقية فيتركون لموت محتوم رغم وجود أدوية تقلّل من خطورة الإصابة وتطيل العمر نسبيا. هذه الأدوية هي مملوكة البراءة من قبل شركات الصيدلة الكبرى، وخصوصا الأمريكية، التي ترفض التخفيض من ثمنها بحجّة تكاليف البحث العلمي. في نهاية التسعينات، هدّدت هذه الشركات بمتابعة حكومة جنوب إفريقيا قضائيا لأنها أرادت صنع أدوية مماثلة منقولة médicament générique. هذه الأدوية التي يمكن إنتاجها محليا، تكلّف لعلاج الشخص الواحد تسعين دولارا سنويا، بينما تصل التكلفة في أمريكا إلى عشرة آلاف دولار. الفرق بين هذين الرقمين يعطي فكرة عن حجم الأرباح الهائلة التي تحققها شركات الصيدلة العالمية بالاحتفاظ ببراءة هذه الأدوية.

ثمة ميدان آخر تتضح فيه أهمية الصراع بين الحقّين هو مرض الملاريا. إنه مرض يقتل ثلاثة ملايين شخص في العالم خاصة من أطفال العالم الثالث. رغم خطورته وانتشاره، لم يحظى هذا المرض بما يستحق من البحث العلمي لأن شركات الصيدلة الكبرى التي تتمتع بإمكانيات القيام بمثل هذه الأبحاث غير معنية بدواء لا يستهلكه إلا فقراء العالم الثالث الذين لا تتوفر لديهم مقدرة شرائية. لذلك، تفضّل هذه الشركات تركيز البحث على أمراض العالم الغني وعلى مشاكل الكماليات فيه مثل محاربة الصلع.

إذن ثمة تناقض جذري بين حق الصحة و''حق'' الربح، كما تفهمه شركات الصيدلة الكبرى.

لقد أثارت عملية تسليع الصحّة، التي تحرم الفقراء حتى في أمريكا من الدواء لغلائه الفاحش، سخط المنظمة العالمية للصحة. فقد شجبت في بيان مايو 2001 حرمان الفقراء من الدواء لأسباب تجارية بحتة. أما لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد ركّزت في بيان نوفمبر 2001 على حق الدول في استعمال الأدوية الضرورية لصحّة مواطنيها بغضّ النظر عن قضية الملكية الفكرية. كذلك أصدرت لجنة حقوق الإنسان في أبريل 2001 بيانا تقول فيه: ''إن الحصول على الأدوية المضادة لنقص المناعة المكتسب جزء هامّ من حق كل شخص في تحقيق أعلى قدر ممكن من الصحة الجسدية والنفسية''.  لكن أهمّ موقف هو الذي اتخذته اللجنة الأممية لحماية الملكية الفكرية في بيان سبتمبر 2002 حيث تقول: ''إن نظام الملكية الفكرية عامل معيق للتمتع بحق الصحة ولا يلعب دورا هامّا في تنشيط البحث العلمي''. بهذا الموقف تكون اللجنة قد فضلت حق الصحة على حق الملكية أو بالأحرى على حق الربح المفرط ولو على حساب صحّة الملايين.                                                               

في الختام، يتضح لنا أن حق الصحة ليس حقا في المطلق. إنما حق يواجه ''حقوقا'' أخرى منها: ''حقّ'' الأطباء النازيين في تشريح المرضى وهم أحياء، و''حق'' الطبقات الغنية في الاستيلاء على جلّ الثروات التي بدونها لا تتوفّر شروط الصحة للأغلبية، و''حق'' شركات الصيدلة في بيع الأدوية بأغلى ثمن ممكن. ومن البديهي أنّ كل هذه ''الحقوق'' تستمدّ وجودها بشكل أو آخر من القوّة، بل من العنف. لا غرابة إذا أن يكون حق الصحة مثل بقية حقوق الإنسان غير قابل للتحقيق، طالما لا توجد وراءه قوّة قادرة على فرضه. هذه القوّة ليست العنف، وإنما الشرعية والأخلاق وأيضا السياسة الاجتماعية العادلة، وفي آخر مرحلة الجزاء إن تطلّب الأمر.

يتضح أن التمتع بحق الصحة يمرّ عبر جهد جماعي ونضال لا يفتر ضدّ مقاومة قد تأتي من حدود الاقتصاد وطبيعة المجتمع. لكنها تأتي أساسا من طبيعتنا الازدواجية التي تجعل التجنّد لحق إنسان (خاصة إذا كان الشخص نفسه) أسهل من التجنّد لحقوق الإنسان.    

 

مـــراجــع

 

1 -  Amnesty International (publications) Médecine tortionnaires, médecins    résistants. Paris 1989.

2 – François Bayle : Croix gammée contre caducée. Newtadt imprimerie. 1950

3- Organisation mondiale de la santé : Rapport 2003 – Santé dans le monde

4 – Marzouki Moncef : L’arrache corps ou l’expérimentation humaine en médecine. Ed. Alternative. Paris 1979.

                                               

 

الصحة والأمن الإنساني

د. فيوليت داغر

 

مدخــل

نعيش اليوم في عالم يتميز بالتعقيد والتغيير المتسارع وتعرض شعوبه لشتى أنواع المخاطر والتهديدات وبالتالي، انعدام عام بالشعور بالطمأنينة والأمن. ذلك نتيجة القطبية الأحادية والهيمنة الدولية للقوة العظمى، وتبدل طبيعة الصراعات، وتطور الأسلحة الفتاكة، والاستقطاب الاقتصادي، والتفاوت اللامعقول بين الشمال والجنوب وداخل المجتمع نفسه، والتحولات البيئية الجديدة، والنقص في الموارد المائية، والهجرات السكانية الكبيرة، وظهور أمراض جديدة وغيره. لقد أضحى بحث المرء عن أمنه وتلبية احتياجاته قضية تتجاوز الحدود وتتطلب تضافر جهود دولية وليس وطنية فحسب. ذلك نظرا لتزايد التداخل بين الشعوب والدول والمؤسسات ولاعتماد العالم على بعضه.

من هنا انطلق مفهوم الأمن الإنساني منذ حوالي عقد من الزمن، من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في محاولة لوضع الأطر اللازمة والآليات التنفيذية لتصحيح الوضع العالمي المتسم بالاضطراب والهشاشة والعشوائية.

إلى جانب الأمن الصحي (الخلو النسبي من المرض والعدوى)، يشمل مفهوم الأمن الإنساني: الأمن الاقتصادي (ضمان الحد الأساسي للدخل)، والغذائي (توفير الفرص المادية والمالية للحصول على الغذاء)، والبيئي (ماء صحي، هواء نظيف وشبكة أرضية متماسكة)، والشخصي (الأمن من العنف والتهديد البدني)، والمجتمعي (أمن الهوية الثقافية) والسياسي (حماية الحريات الأساسية وحقوق الإنسان).

ما يسهم إذاً في الأمن الإنساني ضمان الأمن الصحي وتوفير متطلبات الحق في الصحة. هذا الحق الذي يفترض التحلي بالظروف التي تمكن الأفراد من بلوغ أقصى قدراتهم على تحقيق حياة صحية والتمتع بهذه القدرات. وهذا يشمل النشاطات التي تهدف لحماية صحة الإنسان وترميمها ووقايتها من التقهقر، بما يعني نشاطات المؤسسات الاجتماعية أيضا. لكن إن كان الحق في الصحة لا يهدف لمعالجة الفروقات الاجتماعية والاقتصادية بين البشر، فهو لا يفرق بين غني وفقير ويشمل الأصحاء كالمرضى. حيث أنه من أهم مرامي السياسة الصحية تكافؤ الفرص في الحصول على الرعاية الصحية. فالمرض والعجز والوفيات التي يمكن تجنبها تشكل تهديدا للأمن الإنساني، والصحة ليست فقط غياب المرض وإنما التمتع بحالة جيدة جسديا ونفسيا واجتماعيا تسمح بالتحكم بالمستقبل.

عقب الحرب العالمية الثانية، طرحت منظمة الصحة العالمية (التي أنشئت صيف 1946) كهدف لها الدفع بالوضع الصحي لكافة الشعوب للوصول لأعلى مستوى ممكن. فحدد دستورها حق الصحة ومساهمتها في تحقيق السلم والأمن الشاملين انطلاقا من مبدأين:

-التمتع بأرفع مستوى صحي ممكن هو حق من حقوق كل إنسان مهما كان جنسه أو دينه أو عقيدته السياسية أو ظروفه الاقتصادية أو الاجتماعية،

-صحة جميع الشعوب أمر أساسي لتحقيق السلم والأمن، وهي تعتمد على التعاون الكامل بين الأفراد والدول.

في المواثيق الدولية (ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10-12-1948، المادة 25-1) نجد أن هذا الحق لم يتعد البعد النسبي. لقد اقتصر على الحق في العلاج أكثر منه على الحق في الرعاية الصحية الكاملة والتي يتعلق تحقيقها بمستوى معيشة الأفراد والشعوب.

إذا كان حق الحياة بالنسبة لمعظم الفلسفات والأديان الكبرى أهم حقوق الإنسان، فالحق في الصحة مرتبط بالحياة والموت بشكل يصعب الفصل بينها كلما كان اضطراب الصحة خطيرا. هذه المسلمة لم تعر الاهتمام بحق الصحة كما يفترض، خاصة إن اعتبرنا أن حق الحفاظ على الصحة هو بآن: حق على النفس وعلى المجتمع وعلى الدولة. من هنا يشمل التقصير في الدفاع عن حق الصحة فئات ومستويات عدة، حيث أن للصحة جانب فردي وجانب جماعي.

 

أين الواقع من الإلتزام؟

للأسف، يصفعنا الواقع المعاش، حيث الالتزام بالصحة كحق من حقوق الإنسان قلما وجد ترجمته الملموسة في السياسات الوطنية والعالمية. فهو بالتالي يندرج في حيز المثاليات ويخلو من البعد التنفيذي الجدَي.

لقد ساهم التقدم العلمي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي شهده القرن العشرين في إحراز نجاحات هائلة في مجال الصحة وتعميم نتائجها على العالم أجمع بالرغم من الكلفة العالية لذلك (فبات على سبيل المثال بإمكان مليار شخص على الأقل أن يأملون بالعيش لسن الثمانين، أي ضعف العمر الذي كان يصله البشر قبل مائة عام). لكن هل الصحة هي بلوغ أفضل وضع صحي ممكن أم أنها تقتصر على الخلو من الأمراض والعاهات فقط ؟

صحيح أن ما حد من انتشار الأمراض المعدية مثلاً سهولة التواصل وسرعة التنقل وانفتاح الحدود وزيادة فعالية المراقبة الدولية. لكن ذلك لم يكن بالقدر المطلوب حيث ليس هنالك ما يلزم الدول بالإعلان عن إصابتها بمرض ما –ما عدا الكوليرا والطاعون والحمى الصفراء- خوفا من تأثير ذلك على مواردها السياحية وتجارتها.

يؤكد البنك الدولي على أن نصف سكان العالم ما زالوا في وضع متأخر لا يسمح لهم بتحقيق ما يصبون له على صعيد صحتهم. بمعنى أن هناك خلل كبير بين ما يتمتع به المقتدرون وما لا يحظى به الآخرون الذين هم الأغلبية. كما أن عمر الفقراء والمهمشين بمن فيهم النساء والأطفال أقصر من عمر الآخرين. وهذه الفروقات لا توجد فقط بين الدول النامية والمتقدمة، وإنما أيضا بين الطبقات الاجتماعية داخل الدول.

حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، أكثر من 40% من معدل الوفيات السنوية يمكن تجنبها لو أخذت بعين الاعتبار المعارف والتقنيات والموارد المتوفرة للبشر. كذلك لو تمت مراعاة عوامل اجتماعية وسلوكية واقتصادية وبيئية. على سبيل المثال، من شأن الغذاء الصحي والتمارين الرياضية والممارسات الجنسية غير الخطيرة والامتناع عن التدخين أن تقلل لوحدها نسبة كبيرة من الوفيات. كما أن هناك وفيات مبكرة يمكن أن لا تحدث لو تم الانتباه أكثر لتعليم النساء ومخاطر الولادة وتغذية وتربية الأطفال، حيث أن مخاطر كثيرة تنجم عن عدم الإلمام بقواعد العناية الصحية العصرية.

 

الأوبئة والأمن الإنساني

لقد ظهرت في أواخر القرن العشرين أمراض معدية كثيرة تصاعد الخوف منها ومن كلفتها الاقتصادية الكبيرة. منها فيروس نقص المناعة المكتسب/الإيدز الذي أظهر سرعة انتشار عالية جدا بفعل انفتاح العالم على بعضه وتحرك البشر، وبالمقابل ضعف التنسيق بين الدول. لقد طال كل القارات وقضى على أكثر من 22 مليون شخص وأصاب 40 مليون آخر (والرقم يرتفع يوميا) محتلا المرتبة الأولى كمسبب للوفيات أمام ما حصده الطاعون في القرن الرابع عشر والحربين العالميتين في القرن العشرين.

خلال عشرين سنة ارتفعت نسبة الوفاة بالإيدز للمرتبة الرابعة وخسر مثلا ابن أفريقيا تحت الصحراوية من عمره 15 سنة كمعدل وسطي بسبب وجود هذه الآفة. أبناء غينيا بيساو تقلص عمرهم لمعدل 36 سنة بتضافر عوامل التخلف والفقر حيث زحف المرض على أرضية من التصحر والمجاعة.

فالفقر والأمراض المعدية متلازمان، حيث أن العوز يعرض لهذا النوع من الأمراض وهذه بدورها ترفع من نسبة الإفقار. ذلك بما يسببه المرض من حرمان من المداخيل بسبب البطالة وخاصة كلفة الطبابة التي ترتفع، في حالة الإيدز خاصة، لحد يؤثر تأثيرا كبيرا على دخل العائلة. فهذه تضطر أحيانا لبيع ممتلكاتها ووقف تعليم أبنائها وتخفيف كمية ونوعية وجباتها لمواجهة المرض. مما يؤثر بدوره على مناعة المريض ويزيد من ضعفه إزاء استشراس الفيروس ومضاعفة الالتهابات المرافقة. حتى أنه في الولايات المتحدة، البلد المتقدم اقتصاديا، يشكل ارتفاع كلفة الطبابة سببا لإفلاس نصف عدد المرضى.

إذا كان العلم يخلق تقنيات طبية ويوفر الأدوية واللقاحات، فهو يسمح للجمعيات المهنية والمجتمع المدني المساهمة في الصحة العامة، كما في تحسين وسائل وتقنيات الصحة. لقد سمحت العلاجات الثلاثية للإيدز، وبالرغم من محدودية نتائجها في حالة الإهمال الوقائي أو مقاومة المرضى لفعالية الدواء، بالسيطرة لحد ما على انتشار المرض. فنشطت العمل الوقائي وخففت من وجود الفيروس عند المصابين به وقللت إلى 10% من انتقاله للجنين عند الحوامل المصابات به. لقد أطالت من عمر المصابين معطية إياهم أملا بالحياة بحيث أبقتهم في عملهم وحسنت نوعية حياتهم وحالتهم الصحية وخففت من عزلهم ومن انهيارهم الاقتصادي.

هذه العلاجات مضافة لبرنامج وقائي لا تحتاج لكلفة كبيرة للحصول على نتائج مقبولة، مما يجعلها في متناول البلدان الفقيرة. ذلك خاصة بوجود الصندوق الدولي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا. مع ذلك، تؤكد البلدان المصابة بالإيدز بشدة أنها لن تتمكن من الحد من انتشاره السريع دون إيجاد اللقاح المناسب. بانتظار ذلك تحاول الاعتماد على تغيير السلوك البشري وإيلاء الاهتمام للتربية الصحية.

من المؤسف أن شروط الملكية الفكرية التي اتفقت عليها منظمة التجارة الدولية في 1994 قد حمت على مدى عشرين سنة براءة الاختراع ضد الابتكارات التي يمكن أن تهدده، بما في ذلك الدواء واللقاح. لقد فرضت تجارة المنتوج وحددت سعره على الساحة الدولية، بما أفقد البلدان الفقيرة القدرة على معالجة وباء عضال كالإيدز. إعلان الدوحة الوزاري لمنظمة التجارة الدولية في نوفمبر2001 حاول التخفيف من وطأة الوضع، إذ أخذ بعين الاعتبار المشاكل التي تعترض هذه البلدان النامية. لقد رأى أنه يجب أن لا يمنع أي بلد من اتخاذ الإجراءات التي تؤمن حماية صحة وحياة الإنسان والحيوان فيه والحفاظ على البيئة والنبات بالأشكال التي يراها مناسبة.

 

العنف والأمن

إذا كانت الأوبئة والأمراض المعروفة تشكل جانبا من معضلة انعدام الأمن الإنساني، يجب عدم إهمال العنف المرتبط بالفقر والعنف الأسري بما فيه العنف الجنسي. كذلك مضاعفات الأزمات بين الدول وداخلها كبيرة على الصحة. لقد بان أن العنف يطال بنسبة أكبر الأشخاص والبلدان الأكثر فقرا. فسوء توزيع الثروات والتهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي يخلق لدى الضحايا أرضية خصبة لتغذية العنف وثقافة العنف. والأعمال العنفية تؤثر على الصحة النفسية والجسدية وتؤخر النهوض الاقتصادي وترفع تكاليف الأمن وتضعف الثقة بالمؤسسات. يضاف لذلك أن نسبة الضحايا المباشرين للصراعات قد تكون أقل بكثير مما ينتج عن تأثيراتها غير المباشرة، أكان ذلك على الصعيد الجسدي والجنسي والنفسي والعائلي أو العلاقات بين البشر. فالوفيات والأمراض التي تتأتى من العنف منها ما يظهر على المدى الطويل.

من ناحيتها الكوارث الطبيعية تشكل خطرا محدقا بالصحة وبالأمن الإنساني. هذه الكوارث البيئية والجوية أصبحت أكثر تواترا وهي أغلب ما تطال الأكثر فقرا. مما يزيد من حجم المعاناة النفسية التي تصبح عاملا إضافيا هاماً يتضافر مع سواه لخلق تربة أكثر التقاطا للأمراض.

تأمين الصحة الجيدة والأمن الإنساني يعتمد إذاً على السلم والتنمية. فالسلم يخفف من أخطار الصراعات وتجارة البشر والمخدرات. مما يعني على سبيل المثال تقليل احتمال انتقال مرض الإيدز من خلال العنف والإكراه الجنسي وتجارة الجنس واستعمال المخدرات بالحقن بالإبر. كما أن التنمية تطور الوضع الصحي وهي لا تتطلب بالضرورة إمكانات مادية كبيرة، كما أبانته بلدان فقيرة كفيتنام وكوستا ريكا.

 

المجتمع المدني والتحديات الراهنة

كون الصحة حق أساسي للإنسان، كان على المؤسسات المعنية من حكومية وما بين حكومية وجمعيات غير حكومية ومؤسسات صحافية واجب حمايتها بكل الأشكال الممكنة. كما وجب التعاون بين الدول، خاصة وأن أنواعا من الأمراض المعدية لا يمكن مكافحتها من كل دولة بمفردها. وعليه، تشكلت مؤسسات جديدة كالصندوق الدولي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا حيث بات الأمن الصحي الدولي من أولى الاهتمامات السياسية. فمبتغى النظام الصحي حماية الإنسان وتقوية قدراته لدرء الأخطار وتجنب ما يمكن من الأمراض وتخفيف الوفيات غير المحتمة.

إذا كانت الدول قد بدأت تولي اهتماما متزايدا بحماية صحة شعوبها، فالتقدم الذي حصل في الآونة الأخيرة يعود بالمقابل بجزء كبير منه لدور المجتمعات المدنية والمبادرات الخاصة. إنها تسهم في تكملة دور الدولة الذي يمكن أن لا يكون كافيا وبالأخص في الدول الفقيرة. ففي تعقيد المهمات ما يجعل أية جهة غير قادرة على الاضطلاع بها بمفردها. مما يتطلب تضافر الجهود بين الحقلين العام والخاص لإيجاد إجابات مناسبة للجميع. تعاظم دور الشركاء غير الحكوميين بات هام جدا بحيث يزيد من فعالية الدولة ومؤسساتها لتقليل اللامساواة بين الفقراء والأغنياء أمام المرض وللتقدم في مضمار الأمن الإنساني. كذلك لنشر المعرفة بين الفئات الفقيرة والتي لها الدور الكبير في كبح جماح انتشار الأمراض والوقاية منها.

لقد ازداد دور الجمعيات الإنسانية والخيرية في مضمار الدفاع عن حقوق اقتصادية واجتماعية كالصحة والتعليم. حقوق لا تتمكن الدول، حتى في حال توفر حسن نواياها، على القيام بما يجب تجاهها. لوحظ تصاعد دورها في ارتفاع عدد المشافي والمدارس التي تبنيها والبعثات الدائمة والمؤقتة التي توفرها والمنح الدراسية ودورات التأهيل للكوادر المحلية التي تتيحها وغير ذلك من مهمات أصبحت من عاديات العمل الخيري والإنساني. مع ذلك تراهن القوة العظمى في العالم على لجم نشاط عدد هام من هذه الجمعيات من منفذ مكافحة الإرهاب الذي تنفذ من خلاله سياساتها في المنطقة العربية بشكل خاص.

 

إشكالية القوة

كانت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قد خاضت معارك كبيرة حول مسائل حق الصحة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام. وقد انعكس انهيار المعسكر البيروقراطي الشرقي، الذي دافع عن أطروحة تعطي الأولوية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، سلبا على هذه الحقوق. فمنذ سقوط جدار برلين، لم توقع الولايات المتحدة أية اتفاقية لحقوق الإنسان، ووقفت بحزم ضد إعلان حق التنمية. كما تحفظت على فكرة تلازم الحقوق الإنسانية الستة (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية والبيئية). ففي حين ركزت على الحقوق السياسية والمدنية، اعتبرت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قضية هلامية يتداخل بها غياب المنافسة والضمانات غير القابلة للتحديد والتعريف. لذا، لم تصدق حتى اليوم على العهد الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أنها لم تلزم نفسها بأي حق من حقوق البيئة.

الطامة الكبرى كانت بعد الحادي عشر من سبتمبر وإعطاء الإدارة الأمريكية لملف الأمن حصة الأسد في علاقاتها وتحالفاتها وميزانيتها. الأمر الذي ترك أثره مباشرة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد الدولي بشكل عام، وعلى حق الصحة بشكل خاص. فحتى المسائل ذات الأثر المباشر عند الرأي العام الأمريكي (كقضية الإيدز) لم تعد تنال اهتماما يذكر.

لقد انعكست عولمة المفهوم المختزل للأمن وحالة الطوارئ المسماة بالحرب ضد الإرهاب بارتفاع موازنات الدفاع والأمن في العالم على حساب موازنات التعليم والصحة. فعوضا عن تعميم مفهوم الصحة الوقائية، نجد الأمن الوقائي أطروحة تتستر تحتها الإيديولوجيات المتطرفة لتمرير تقييد الحريات، وحركة الناس بين البلدان، والتفاعل بين الدول والشعوب، والقدرة على التنظيم السلمي للنضال الدولي ضد المظاهر الوحشية للعولمة. يضع مفهوم الأمن المختزل هذا على المستوى العالمي، كل برامج تحسين أوضاع الصحة والتعليم على كف عفريت. فهو يقيد من إمكانيات المجتمعات المدنية على التحرك ويضعف طاقات حكومات الجنوب الضعيفة بالأساس. إنه بذلك يعزز الكارثة البشرية التي جعلت من الموت والمرض أحد مقومات الطفولة والمراهقة، ومن غياب الحد الأدنى للظروف الصحية المقبولة، حالة تشمل أغلبية البشر.

بهذا نجد كيف أن شعار "الصحة للجميع" الذي أطلق في مؤتمر ألما ماتا في 1978 لم يكن له أن يتحقق. ليس فقط بسبب غياب الإمكانيات الاقتصادية، وإنما خاصة عدم كفاية الإرادة السياسية. فالأنظمة الحكومية الصحية لم تصل للمستوى المطلوب، وسوق الصحة الخاص لم يهتم إلا بالقادرين على دفع لقاء مقبول للعناية بصحتهم.

الأمر الأصعب من تشخيص حالة القصور هذه، يبقى السؤال عن إمكانيات الفعل في مواجهته. وبحيث لا يمكن تجنب الأمراض، يجب أن يكون البشر بمـأمن من مخاطرها ومن مترتباتها الاقتصادية. فهناك من ينادي باللجوء لآليات حماية من نوع تشكيل صناديق تمويل ومشاريع جماعية. ذلك من ضمن المقترحات بوضع معايير صحية دولية أكثر عصرية والحلول التي تنادي بإيجاد توازن بين المسؤوليات الفردية والوطنية والدولية. 

في كل الأحوال، يستدعي الوضع المتشابك والمعقد بمواجهة "انتهاكات جسيمة لحق أساسي من حقوق الإنسان"، الاعتماد على مبدأ التراكم والقدرة الجماعية المتعددة الأشكال والميادين من أجل إبداع أوضاع أفضل للتخلص من آفات هذا العصر وحماية الحق في الصحة وتعزيز الأمن الإنساني.

 

 

 

 

الممنوع والمستور في مواجهة

مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)

 

د. فيوليت داغر

د. هيثم مناع

بين الذاتي والموضوعي

ظهور الوباء كان على الدوام ملازما لتراكم عوامل متعددة في ظروف تاريخية محددة. فيروس نقص المناعة المكتسب /الايدز، ليس بحديث العهد، لكنه تفشى بهذا الشكل الواسع النطاق والخطير نتيجة تراكم عوامل وليدة عصرنا الراهن. عوامل تضافرت وأدت للفتك بجهاز المناعة البشري، نذكر منها: نقص التغذية نتيجة الفقر المنتشر خاصة في أفريقيا مرتع الوباء، انخفاض نسبة المعادن في الغذاء نتيجة شوائب التقنيات الحديثة في الزراعة وتربية الحيوانات، السموم التي يحملها الهواء المشبع بالتلوث الإشعاعي الذي يتسرب لشرابنا ومأكلنا.

يضاف لذلك دور الطب الحديث وشركات الأدوية التي تتشارك في مسؤولية ضرب الجهاز المناعي. ذلك بمنطقها القائم على الاستهلاك المفرط للدواء واللقاح كبضاعة رابحة تضعها بين أيدي البشر (لوحظ انتشار المرض بشكل حاد في أفريقيا إثر حملة تلقيح واسعة النطاق ضد الجدري). كذلك، يمكن ربط انتشار المرض بتجارة المخدرات واسعة النطاق وما يسببه تعاطيها من قصور في عمل الجهاز المناعي وتأثير طريقة الإدمان على انتقال المرض. يمكن كذلك لسلوكات معينة أن تحرض ظهور الوباء، في حين أن الفيروس يمكن أن يبقى كامنا في نسبة لا بأس بها من الحالات.

إلى جانب العامل البيولوجي المسؤول عن الإصابة بالمرض، هناك بعد ذاتي وعوامل نفسية تتدخل في وقوعه وتطوره للمرحلة النهائية تبقى من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن إغفالها. فالمرض كما هو معروف لا يظهر إلا بعد سنوات من دخول الفيروس إلى الجسم، سنوات تقصر أو تطول تبعا للأرضية الحاضنة.

عدم قبول الإصابة، له تأثيراته الفظيعة على المصاب بما يساعد على انتشار الفيروس السريع في الجسم وتحوله لمرض عضال وقاتل. إعلان الإصابة بحد ذاته يحدث صدمة قوية، خاصة عندما يتم بشكل غير لائق لا يراعي مشاعر المصاب في وقت يتطلب منه التحريك السريع لآليات دفاعه الذاتية. مما قد يؤثر مؤقتا أو بشكل دائم على توازنه النفسي والجسدي، خاصة عندما يكون البنيان النفسي للمصاب ضعيفا أصلاً. فالمعاناة السابقة من ظروف الحياة، ودور المحيط القريب، وتجارب الطفولة والصدمات التي تركت تأثيراتها عليها، وكل ما من شأنه أن يهدد الدعائم النرجسية التي تستند إليها الأنا يسهم في استشراس الفيروس بالمصاب.

ردود الفعل إزاء الإصابة بمرض قاتل من هذا النوع ليست واحدة بالطبع. هي تتراوح من رفض قبول الحقيقة والتصرف وكأن الأمر لا يعني المصاب. وفي هذا ما يمكن أن ينتج عنه سلوكات غير مسؤولة وعدوانية تدميرية توجه للذات و/أو للغير، منها ما هو خطير كالدخول مثلاً في علاقات متعددة دون استعمال أية وقاية. فقدان التوازن يمكن أن يصل لحد شل القدرة على التفكير، بهدف نسيان المرض. فيتوقف المريض عن رسم مستقبله وتخطيط مشاريعه اعتقادا بعدم جدوى ذلك ونتيجة لفقدان ملكة التركيز وما يمت للفكر بصلة.

نشاهد أيضا حالات قنوط وشلل إرادة وانعدام في الرغبة وهبوط في النشاط. كما نشهد حالات تخبط وضعف إدراك وهذيان حتى. وهي تتناوب مع حالات من الصمت المطبق وعدم الحراك والحزن العميق. كل ذلك يترافق بعوارض جسدية مختلفة قد تكون شديدة الإيلام. فالمريض يصبح هاجسه الموت المحتم والقريب الذي سيوقف عجلة الحياة عن دورانها ويبعده عمن يحب ويضع حدا لمشاريعه. ينتابه الشعور بالعار والخطيئة وعقدة الذنب وبضرورة العزلة عن الآخرين. إنه يخشى الآلام المبرحة وتراجع قواه العقلية وفقدان القوة على العمل وبالتالي، مواجهة الظروف الحياتية التي قد تكون صعبة أصلا. يتراءى له جسده الذي يتهاوى وصورته عن ذاته التي تضمحل. بالتأكيد، يوجد في هذا المرض ما يفعّل بقوة غريزة الموت التي تنتصر أغلب الأحيان على غريزة الحياة.

إذا كان تطور الفيروس لمرض مميت مرتبط إذاً بعوامل بيئية وغذائية وعلاجية واجتماعية ونفسية، تبقى التوعية على هذا الوباء أمرا أساسيا في الوقاية منه أو التعامل معه. ذلك خاصة مع ما نشهده من تعرض مرضى نقص المناعة المكتسب/الإيدز للعزل الصحي والتمييز الاجتماعي بشكل أكثر حدة مما نراه مع كثير من الأمراض، حتى العقلية منها.

من الظاهرة إلى الحق

من البديهي أن المرض، باعتباره "تجربة" معاشة، هو ملك للذاتية الخاصة بالمريض. فكل إنسان يعيش مرضه على طريقته، هذه الطريقة المرتبطة بمنظومة قيمه ونمط عيشه وفهمه لذاته وظواهر الطبيعة والكون. لكن هناك أيضا المرض كحقيقة سريرية (كلينيكية) تهمّ في المقام الأول المعالج. وأخيرا المرض كحقيقة اجتماعية ذات مترتبات نفسية، اقتصادية، إيديولوجية وسياسية. هذه النقاط الثلاث المتداخلة تعطي مقاربة شاملة لظاهرة المرض، بالمعنى الواسع للكلمة، كما أنها تجعل من المرض المنارة المفضلة لإلقاء نظرة متفحصة للمجتمع أو للحضارة.

قبل الوصول إلى حق الصحة وحق المرضى، توقفت البشرية طويلا عند مفهوم المرض، سببيته، تصانيفه، العلاقة بينه وبين الثقافة الشعبية والحكمية والدينية، أبعاده النفسية والاجتماعية، سبل العلاج منه. كذلك عند تداخل هذه الشبكة الأخطبوطية مع المدنس والمقدس، النفس والجسد، الممنوع والمسموح. أي باختصار: الحياة والمعرفة والسلطة.

بهذا المعنى، لم تعط الهستريا الوصمة الأبرز للمرض في القرون الوسطى، بل الطاعون. ولم تكن اضطرابات النفس بالضرورة أكثر الاضطرابات تهديدا للاستقرار الاجتماعي النفسي. على العكس من ذلك، يمكن القول أن مواجهة العديد من الأمراض الجسدية والأوبئة كانت دون شك المحرك الرئيسي لتطور المعارف الطبية وزعزعة المفاهيم الأكثر استقرارا في الذاكرة الجماعية للناس والمعالجين.

في كل هجمة باثولوجية على الجنس البشري ثمة استنفار معرفي لطرح الأسئلة والبحث عن أسرع الإجابات عليها. المسرحية تتكرر أحيانا بفصول جد متشابهة. لا بد من البحث عن النواقل والحوامل والعناصر التي تسمح للمرض بالانتشار بوتيرة أسرع من رد الفعل الضروري لوضع حد لأذياته. هذه العملية التي تدخل المرض في منطق طب الإسعاف والطوارئ، تسمح بإيقاظ كل الكوامن العدوانية، المستورة والمكشوفة في أي مجتمع.

ألم يبحث الأوربيون في القرن الرابع عشر عن "زرّاع الطاعون" في الأقليات المكروهة في الوعي السائد؟ ألم تجرِ عملية تصفية حساب مع الغيتو المنغلق على نفسه والمغلق عليه من قبل متطرفي الأغلبية المسيحية؟ ألم تستوطن الأرواح الشريرة كل المتمردين على العرف المسيطر والنظام السائد؟ ألم تصبح عصيات الطاعون نقمة إلهية من فرق الشيطان كافة؟

لم تستطع فيما بعد الأورام السرطانية أو الاضطرابات القلبية الوعائية أن تحتل مكان السيدا في الوعي الجماعي. ذلك رغم حضور جملة الأسباب التي جعلت منها الابنة "الشرعية" للحضارة الغربية. ولعل في علاقة مرض نقص المناعة المكتسب بالحيوانات المنوية والدم والحبل السري ما يوقظ عفاريت القرون الوسطى وباثولوجيا الأزمنة الحديثة. ما يمازج بين الغيبي والعقلاني، الجنس والولادة والموت، المحرم والمدنس. بهذا المعنى، كان من الضروري تحديد الأقليات الحاملة والناقلة، الأوساط المسؤولة والمجرمة. وهنا أيضا، لم تكن الاتهامات ابنة الفانطازيا الجماعية ولم يكن المتهم باستمرار موضع براءة.

لكن لماذا يضع الأوربي في جعبة حملة السيدا : المهاجرين ومتعاطي المخدرات واللواطيين ويرفض طرح السؤال عن سبب اختباء الوباء وراء فئات منزوعة الجذور ومهمشة تعوض بالشذوذ الجنسي شذوذ البؤس المعاشي؟ ولماذا يبصر العربي في السيدا  نقمة الله على من تخلى بملء إرادته عن خصائل وفضائل مجتمعه مغامرا بحمل الرذيلة والفساد له من خارجه، لاصقا به كل علامات الخروج عن المنظومة السائدة؟

في حديث "صحفي" لطبيب يعالج السيدا في المملكة العربية السعودية يلخص هذه الإشكالية بالقول: "لم يسبب الجنس مع الآسيويات أمراضا خطيرة تتناسب مع انتشار هذه الظاهرة في المجتمع. أما دخول العلاقات الجنسية الشاذة وحقن المخدرات فترافق فورا بحوادث خطيرة تستوجب ردعا مباشرا قبل أن يصبح الإيدز ظاهرة اجتماعية في البلد". وفي صفحة يفترض فيها تفهم مشكلات الضحايا، تصّر "هيئة التأمين الصحي في ولاية الخرطوم" على الرد على الوباء بال"المعرفة والعفة"، وأن يتق الإنسان الله في نفسه ليحفظه الله باعتبار أن "97% من الإصابات تحدث عن طريق الفرج والفم والشرج".

بالمقابل، لم تقصر الكنائس المسيحية في ربط السيدا بكل أشكال الخطيئة في القارة الأكثر إصابة. وللأسف يتناسى العديد من أطباء الروح والنفس والجسد، لأسباب عقائدية حينا ودوغمائية ضيقة النظر حينا آخر، أن انتقال السيدا يكون بالاتصال الجنسي داخل وخارج العلاقات الزوجية. أكان ذلك بأشكاله الطبيعية أو الشاذة، أو باستخدام أدوات ثاقبة للجلد تشمل الإبر الصينية وموسى الحلاقة وآلات طبيب الأسنان وسكين المطّهر عند الختان، أو ما يتجاوز إبرة المورفين وأدوات الوشم.

ربط الإصابة بالسيدا بالسلوك المنحرف يحرم للأسف المجتمع والطب من متابعة حالات لا حصر لها تستوجب سياسة وقائية وعناية خاصة خارج الأحكام المسبقة. فالسيدا ستكون بالضرورة وباءا ووبالا على البشر عندما تختزل وسيلة التعامل معها إلى تصفية حساب بين المجتمع وجماعات مستضعفة أو مهمشة فيه.

لكن المرض ظاهرة يتداخل فيها العقلاني بالانفعالي، والمعرفي بالمجتمعي. لذا ليس من الغريب أن ترتسم صورة نمطية خاصة له في المجتمع، لا علاقة لها بالضرورة بالمعطيات العلمية والطبية. بل لعل أي مجتمع يبحث عن أمراض تشكل العتلة الضرورية لأشكال مقاومته الداخلية ورفضه للحظات الاضطراب والتفكك فيه. بهذا المعنى، ما من الغريب أن يخلق المجتمع عناصر مثبطة ومقيدة لحق الصحة والمرض فيه. ليس فقط لوجود تقاليد وإيديولوجيات تجّرم المرض، وإنما لأن هذا المرض يضعه عاريا أمام كل لحظات ضعفه وغياب المناعة والمقاومة فيه. وبالتالي، تشكل الشبكة الخلقية والاجتماعية المبنية حول المرض المهدد للحياة، الجدار الواقي للمجتمع من فئة لم يعد له إلا أن يعزلها عن الجماعة. فهو المرآة لكل ما يكره من نقاط ضعف فيه.

التوظيف الإيديولوجي

 لعل في جملة المستشار في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وليد بدوي، من الجرأة ما نحن بأمس الحاجة إليه في مواجهة التوظيف الإيديولوجي لقضية السيدا: "الثقة العمياء في أن ثقافتنا هي الجدار الواقي قد أدت إلى عدم التحرك، وذلك أودى بأرواح كثيرة... هناك الكثير من الأدلة على أن البلاد العربية أصبحت أرضا خصبة لهذا المرض لتغييرات ديموغرافية والتنقل المتزايد وتغيير السلوك وممارسات اجتماعية وشخصية جديدة".

فبعد فترة من سياسة النعامة القائمة على أن هذه النقمة لا علاقة لها بالعرب والمسلمين، بدأت موضوعة توظيف السيدا في المعارك اليومية للتبشير الديني تأخذ مكانا مضخما. وإن كنا نبارك وقوف رجل الدين ورجل العلم معا يدا بيد في وجه ما يسميه كوفي عنان بحق، "السلاح الحقيقي للدمار الشامل"، نجد من المضحك أن تتحول استراتيجية مواجهة الوباء إلى معركة مع السلوك الجنسي للشعوب والحضارات. خاصة وأن أكثر العلاقات الجنسية إباحية اليوم ليست في المناطق الحمراء لانتشار السيدا. هذا التوظيف، يضعنا خارج نطاق التفكير الاستغلالي للشركات المتعددة الجنسية ويعفي النظام الاقتصادي العالمي من كل جرائمه.

تحت عنوان "من يعارض اختراع مصل وقائي ضد الايدز" نقرأ على صفحة "بحور المقالات العربية" على الانترنيت:

"إن منظمات الحملة على الايدز، بتشجيعها على استعمال "الواقي" إنما تروج بطريقة مباشرة للجنس التجاري أو العلاقات الجنسية "الحرة" بين الشباب والشابات خارج إطار الحياة الزوجية بدليل أنها لا توجه حملتها ضد شركات الدعارة والاتجار بالبشر. إن حجم صناعة الجنس وشركاتها يدر حوالي 24 مليار دولار سنويا، وبالإضافة إليها هناك شركات تعمل في قطاعات أخرى ذات صلة بتجارة الجنس والترويج للممارسات الجنسية "الحرة" ومنها شركات الإعلان التجاري وشركات إنتاج الأقلام ومؤسسات صحفية متخصصة تصدر صحفا ومجلات وكتبا وشركات تصميم وصنع الأزياء بالإضافة إلى عشرات الشركات التي تمتلك النوادي الليلية، ما يؤدي إلى إحباط هدف الحملة العالمية على الايدز: هو إذن عاملان رئيسيان هما مرتبطان عضويا إلى درجة أنه يمكن اعتبارهما عاملا واحدا ذا شقين:

العامل الأول: هو إحجام المنظمات التي ترعى الحملة عن التعامل مع البعد الديني الأخلاقي الثقافي للقضية الذي يتطلب منها التبشير بفضيلة الاستعفاف الجنسي وفضيلة الإخلاص للرابطة الزوجية مع التحذير من رذيلة الزنا.

والعامل الثاني هو تخوف هذه المنظمات من الدخول في صدام مع مؤسسات رأس المال الغربية التي تتعامل مع الجنس الحرام كسلعة ذات قيمة ربحية عظمى".

تضعنا هذه المقاربة بعيدا جدا عن سبب الداء وأماكن استيطان الوباء وتحديد استراتيجيات الخلاص. وهي إن كانت تصلح لشئ، فهو عدم التحرك الجدي ضد الخطر. أي تساهم في إفساح المجال لأن تفقد 9 دول عربية 35% من ناتجها المحلي حتى عام 2025 عن سابق إصرار وتصميم بسبب عدم وضع سياسات حكيمة لمواجهة السيدا.

فأين هم شبيبة السيدا في إفريقيا الساحلية من مجلات الجنس وأفلام البورنو؟ أين هي النوادي الليلية في مجتمعات الفقر المتزايد وغياب كل الظروف الصحية الضرورية لحياة إنسانية ذات معنى؟ أين هي حفلات الأزياء في مستوصفات تسمى كذلك ولا علاقة لها بالمأوى الصحي إلا بمعنى أن ينتظر الإنسان الموت خارج كوخه الشخصي؟ أليس في قصة كل مصاب أو مصابة بالأيدز حالة خاصة تماما ولكل بلد ظروفه وأوضاعه الخاصة به؟ يجب أن نتذكر أنه في حين يطال الفيروس في البلدان المتقدمة كل عشرة رجال مقابل امرأة واحدة، يساوي في أفريقيا وآسيا بين الرجال والنساء.

لنأخذ على سبيل المثل حالة بلدان رابطة الدول المستقلة (وهي 12 من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا) التي تشهد ارتفاعا خطيرا في نسبة الإصابة. في قيرغيزيا حيث الانتشار يطلق صفارات الخطر، 83% من الحالات المصابة المعروفة سببها مدمني المخدرات وحقنهم الملوثة والرديئة. يضاف لذلك، انتقال طريق نصف المخدرات الأفغانية تقريبا إلى الحدود الشمالية لأفغانستان، ونشاط جنسي مبكر السن أكثر فأكثر، وزيادة ملحوظة في عدد المومسات والعنف ضد المرأة، والأبوية في العلاقات الجنسية المنزلية. في هذا المجتمع الذي تتصارع فيه طهرانية معلنة مع حالة تمزق اجتماعي وجنسي، نجد الوصمة في الوجه علامة للعار.

تقول د. فالنتينا كيرشينكو، مديرة المركز القومي للإيدز في العاصمة بيشكيك: " إن المصابين فعلا، أو أولئك الذين يواجهون مخاطر مرتفعة بالإصابة، يخشون إجراء الفحوص بسبب خوفهم من وطأة وصمة العار التي تحيط بالإنسان المُصاب بالفيروس. والأسوأ من ذلك هو أن الكثيرين يخافون من تثقيف أنفسهم بخصوص المرض وحماية أنفسهم منه خشية أن يظن الناس أنهم مصابون بفيروس أتش آى في/الإيدز." تضيف بأن: قرابة 700 شخص من الجماعات غير المصابة يأتون شهريا لإجراء الفحوص لتسهيل الحصول على فيزا للسفر للبلدان التي تطلب ذلك... وأن بعض الرجال غير راغبين في شراء أو قبول الواقيات الذكرية المجانية خوفا من اعتبارهم مصابين. نذكّر بهذا الصدد أن خطر انتقال الفيروس يتضاءل إلى 90% عند استعمال الواقيات.

المشكلة عينها تعيشها القارة الإفريقية. تنوه جانيت فلايشمان، من منظمة هيومن رايتس وتش، في تقريرها عن زامبيا، إلى "أن الفتيات اللاتي تيتمن بسبب الإيدز يواجهن العار والفقر، ولا يستطعن في أغلب الأحيان الاستمرار في الدراسة؛ وقد لا يجدن مناصاً من ممارسة البغاء من أجل بقائهن - هن وذويهن أحياناً - على قيد الحياة؛ ونادراً ما يستطعن التفاوض من أجل اتخاذ الاحتياطات الواقية من العدوى بالأمراض الجنسية".

معظم الفتيات المتيتمات يجدن أنهن مضطرات رغم أنوفهن لتحمل علاقة جنسية قهرية مع أزواج أمهاتهن أو أعمامهن. ومعظمهن يتعرضن للاغتصاب، وليس بيدهن حيلة؛ إذ يعتقدن أنهن لو أبلغن الشرطة فلن يكن هناك من يتكفل بهن، فيلزمن الصمت. ولا غرابة أن يحّول "القريب" الفتاة التي اغتصبها من أداة متعة لمصدر رزق. تشكل هذه الدورة عملية توزيع عامة للفيروس وغالبا حالات حمل في ظروف تنقل الفيروس للطفل. فمن المعروف أن احتمال نقل الفيروس من المرأة الحامل لطفلها يبقى كبيرا ومن بين هؤلاء عدد لا بأس به يلقى الوفاة قبل سن الثلاث سنوات.

وصمة العار تلاحق الضحية وبشكل خاص النساء. وهي وراء التمييز الذي يشكل دعما للفيروس والوباء بكل معاني الكلمة. لوصمة العار ثلاث تبعات أساسية، كما جاء في بيان المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان بمناسبة اليوم العالمي للإيدز لهذه السنة :

"تبقي المصابين بعيدين عن النظر، مما ييسر للحكومات إنكار شدة الأزمة والتهوين من الحاجة إلى زيادة جهود الوقاية والمعالجة.

يمتنع الناس عن السعي للكشف عن حالة فيروس نقص المناعة لديهم وتلقي التوجيه ـ وهما من الجوانب الأساسية للوقاية ـ وذلك خوفاً من تعرضهم للمقاطعة والرفض بل والأذى من جانب مجتمعاتهم وأسرهم.

يُحرم المصابون بالفيروس من الحصول على الرعاية والمعالجة، حيث تتوفر، وهذا يساعد على زيادة انتشار الوباء".

في الرد على وصمة العار والتمييز، تطالب المسؤولة الأممية ببذل جهود متضافرة للدعوة ضدهما وبالدعم القانوني، قائلة: "إن القوانين التي تحمي حقوق الناس المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز تشكل جزءًا جوهرياً من الرد الفعال على هذا الوباء. ومع أن التمييز ضد المصاب، أو المشتبه بأنه مصاب، بفيروس الإيدز يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن 40 في المائة من البلدان، منها نصف بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، لم تضع حتى الآن أية قوانين ضد التمييز". 

كان مدير عام منظمة العمل الدولية، خوان سومافيا، قد حذر من التأثير الكبير لوباء الإيدز على الشركات المتعددة الجنسيات حين قال: "أن 23 مليونا من أصل 36 مليون شخص مصابين بالإيدز أو إيجابي المصل هم موظفون في هذه الشركات". أي أن هذه الشركات أيضا، وليس فقط الدول الهشة والمجتمعات الجائعة، متضررة بشكل مباشر من السيدا.

في واحدة من المقالات حول الإيدز: "الإيدز مشكلة العالم المعاصر ونظرة مستقبلية إسلامية" والتي وضع فيها كاتبها جهدا لا بأس به، عمد الدكتور محمد حلمي وهدان لاستقراء الوضع العالمي للإيدز وأنماط سيرته الوبائية الأساسية. لكنه عندما تناول الإيدز في الدول الإسلامية ودول إقليم شرق البحر المتوسط، دخلت الإيديولوجيا وتراجع البحث العلمي والفكر النقدي. يتوصل الدكتور وهدان للقول:

"أما في الدول الإسلامية فالبينات جد قليلة حتى الآن على انتقال العدوى محليا، إلا في عدد قليل من البلدان، ولقد وقعت معظم الإصابات ضمن فئتين رئيسيتين : 

-أولئك الذين أجريت لهم عمليات نقل دم مستورد من بلدان ينتشر فيها المرض، ونجمت عن تلك الوسيلة نسبة كبيرة من أخماج فيروس العوز المناعي البشري، ولاسيما أن بعض البلدان كانت تستورد كل احتياجاتها من الدم ومنتجاته أو تكاد. 

-وأولئك الذين اتصلوا جنسيا بآخرين في مناطق تتفشى فيها العدوى، وتشمل هذه الفئة، العاملين المقيمين في أوروبا، والمواطنين الذين سافروا لتمضية عطلاتهم في الخارج ".  

مما يعني أننا هنا بمواجهة شر زاحف من الخارج على مجتمع طاهر نظيف لا دعارة فيه ولا مخدرات ولا شذوذ ولا علاقات جنسية غير منتظمة. هذا المجتمع الذي يعكر صفوه الدم المستورد ومغامرات السفر. ضمن هذا المنطق يأتي استكمال التحليل لآخر الشوط:

 "إن الذين يتعرضون للعدوى هم في الأساس من يرتكبون فاحشة الزنا ومن يدمنون المخدرات. ولقد ألقى الله سبحانه وتعالى  في قلوبهم الرعب والقلق والخوف في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب أليم. إن كل هذه المجتمعات ترتعد خوفا. لقد أصابها الرعب والقلق وهو نوع من عذاب الله سبحانه وتعالى في الدنيا قبل أن يلحق بهم عذاب الآخرة".

هذه القراءة تشارك في استمرار الوباء حتى لا نقول تصعد من حدته في المجتمع، لأن أدلجة المرض وإدخاله في الممنوع والمستور يعني بكل بساطة: القبول بالتعايش معه أكثر مما يستحق. هذه المأساة يصبح لها دور وأداء وتصور. وبوصفها كذلك، لا يشكل القضاء عليها هدفا في ذاته.

لا نريد التعميم ولا يحق لنا ذلك، فثمة مواقف إسلامية جد متقدمة. وهي تصلح مقياسا لوضع العلة في حجمها وسقفها والتعامل معها في نطاق الحكمة والعقل. لذا نكرر كلما كان ذلك ضروريا: لابد من تعاون أكبر من كل المتنورين المسلمين من أجل خوض معركة فعلية ضد السيدا خارج نطاق التوظيف الإيديولوجي. ذلك في إطار خطاب قريب للقلب والعقل ينجح في كسب الناس من أجل مفاهيم جديدة للتعامل مع المرض والصحة، مع المريض والمحيط. كما ويضمن حماية المصاب من معارك نفسية واجتماعية لا يسمح وضعه الصحي ولا ظروف مرضه بمواجهتها. في هذا الإطار نجد عدة محاولات مختصرة ومكثفة مفيدة تجمع بين الثقافة المحلية والمبادئ الضرورية لحماية المريض من بصمة لا معنى ولا جدوى لها، لا في القانون ولا في الشرع ولا في الحياة.

كتب الدكتور حسين عبد الرزاق الجزائري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، إلى الحملة العالمية لمكافحة الإيدز عام 2002 التي تركز موضوعها حول البصمة التي تلحق بمصابي السيدا ما يلي:

"تدور الحملة العالمية لمكافحة الإيدز هذا العام حول موضوع الوصمة التي تُلصَق بمريض الإيدز أو المصاب بعدوى فيروسه والتمييز ضدَّهما، تحت شعار [أحبَّ لغيرك من العيش ما تحبُّ لنفسك]. ونحن نعلم جميعاً أن الله حرَّم الهَمْزَ واللَّمز تحريماً قاطعاً، بقوله سبحانه:[وَيْلٌ لكلِّ هُمَزَة لُمَزَة]، وقوله جلَّ وعلا:[ولا تَلْمِزوا أنفسَكم]، وأن النبيَّ  قال: [بِحَسْبِ امرئٍ من الشَرِّ أن يَحْقِرَ أخاه]. ولكن الوَصْمَ والتميـيز، فضلاً عن تعارضهما مع قِيَمنا الثقافية والدينيَّة، وانتهاكهما للحقوق الإنسانية للمصابين بمرض الإيدز والعدوى بفيروسه، يمثِّلان أكبر موانع المواجهة الفعَّالة لهذا الوباء. إذ يَحُولُ الوصم والتميـيز دون حصول المتعرّضين لخطر الإصابة بهذا الوباء على المعلومات المتعلقة بالتدابير الوقائية، كما يحولان دون حصول المصابين بالعدوى على الرعاية الكافية. والواقع أن المصابين بمرض الإيدز والعدوى بفيروسه كثيراً ما يواجهون اللَّمْزَ والتميـيز في المجتمع المحلي، وفي أماكن العمل، وفي المدارس، بل وفي مرافق الرعاية الصحية التي يفترض فيها أن تكون مصدراً للعلاج والرعاية والدعم".

حق الصحة والحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية من نافذة السيدا:

يحمل مرض الأيدز (السيدا) في جعبته عجز التصور الليبرالي لحقوق الإنسان (الذي يركز على الحقوق المدنية والسياسية) عن مواجهة المشكلات الأساسية في بلدان الجنوب، وبالتالي التأكيد على الحقوق الإنسانية بمعناها الشامل وغير المجزأ. لنأخذ إحصائية مفادها أن 11 شخصا يصابون بالسيدا كل دقيقة. هذا الرقم المجرد يكتسب معنى عندما نعلم أن 95% من مصابي السيدا هم من البلدان النامية، 70% منهم موجودون في أفريقيا الساحلية.

تزداد المشكلة تعقيدا عندما ندرك بأن هذا المرض مسؤول عن 11 مليون طفل يتيم فقد أحد والديه أو كلاهما. والمأساة أن الشارع والمليشيات المسلحة يأتيان في مقدمة احتمالات توجههم. يضاف لذلك أن أية زيادة في نفقات قطاع الصحة بسبب الإيدز في هذه البلدان ستكون على حساب التعليم والتنمية. يصبح المشهد جهنميا إذا ما علمنا بأن تكلفة الرعاية الطبية لمريض الإيدز خلال عام (تتراوح بين 200 و300 دولار) تساوي 207 ضعف نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي في البلدان النامية. وفي عدة دول كبيرة، تفوق كلفة العلاج تكاليف تعليم عشرة تلاميذ في المرحلة الابتدائية.

في الوقت الذي يحمل فيه 42 مليون شخص في العالم فيروس نقص المناعة البشرية، فقط 300 ألف شخص يتلقون العلاج المتوفر. منهم 50 ألف في البلدان الفقيرة، بما يشمل 30 ألف إفريقي وحسب. وكأن هذا المشهد، الذي ينتمي لمجتمع الغاب بكل معنى الكلمة، يحتاج إلى ما يعزز مأساويته. فتقف الولايات المتحدة الأمريكية بحزم، في مقر منظمة التجارة العالمية، للحؤول دون التوصل لأي اتفاق واضح يسمح للدول النامية بالاستفادة من وسائل تعينها على الحصول على أدوية رخيصة لمعالجة المرض.

يمثل الإيدز اليوم بالمعنى الاقتصادي للكلمة الترجمة الفعلية لعولمة المرض، حيث تحصد بلدان الجنوب كل تبعات وعقابيل وويلات الوباء. في حين تتمكن البلدان الغنية من التعامل معه حتى عند اتباعها أكثر أشكال المواجهة ارتباطا بمنطق العلاج الدوائي. ولا أدل من ذلك أنه في حين تتخبط فيه بلد كموزمبيق ويتهدد وجودها، نجد في دولة الكويت إجراءات متميزة للتعامل مع المرض أهمها:

1. إنشاء مكتب خاص في إدارة الصحة العامة لمتابعة حالات الإيدز وتسجيل الحالات الجديدة، يشرف عليه أطباء في مجال الصحة العامة.

2. معالجة مرض الإيدز بأحدث الأدوية المتوفرة في العالم مجانا ولكل المرضى.

3. معاملة مرضى الإيدز معاملة إنسانية لائقة بهم. ويتم إرشادهم بكيفية تجنب انتقال المرض منهم إلى أقربائهم، ومتابعتهم باستمرار ولهم الحرية بمراجعة الطبيب في المستشفى في أي وقت يشاءون.

4. تم وضع استراتيجية كاملة لمكافحة هذا المرض والوقاية منه وانطلقت حملة إعلامية شاملة لتوعية جميع المواطنين والمقيمين بأخطاره وطرق الوقاية منه.

5. تجهيز مختبرات وزارة الصحة بأحدث الأجهزة والمعدات لفحص عينات الدم وإجراء الاختبارات اللازمة لفحص تلك العينات.

6. قامت وزارة التربية بالتعاون مع وزارة الصحة بوضع فصل في كتاب العلوم، والذي يدرس في المرحلة المتوسطة، عن مرض الإيدز لتوعية الطلبة بخطورة هذا المرض وكيفية تجنبه.

طب الغد وحق الصحة

كما كان الطاعون بداية طرح الأسئلة الجدية حول طب الأمزجة الأربعة، يمكن القول أن السيدا قد طرحت الأسئلة الجدية حول الطب الغربي المعاصر. هذا الطب الذي جعل المعالجة الدوائية الوسيلة الأكثر استعمالا من أغلبية حاملي صفة المعالج. ولعل في هذا الوباء الذي يمس مباشرة المناعة الذاتية ومبدأ اللقاح ومفهوم العلاج وإمكانيات الدفاع الذاتي ودور التأهب والأرضية ما يجعلنا نشاطر الاتجاهات المختلفة لما يعرف بالطب البديل تعريفها للمرض. المرض باعتباره جملة الاعتداءات الفيزيائية والبيئية والغذائية والسمية والميكروبية والانفعالية، التي تستنفر ضدها آليات دفاع واحدة. وباعتباره كذلك، تشكل مواجهة العنصر الفيروسي وحده، خوضا للمعركة بأسلحة أقل وتدبير أسوأ ونظرة مختزلة.

لماذا هذا التعريف؟ أولا، لأنه الأقرب للتخلص من التصور السلعي للمرض وأنسنة العلاقة مع الطب والمريض.

ثانيا، لأن أي دفاع عن حق الصحة وحقوق المرضى اليوم لا يمكن أن يختزل إلى علاقة المريض بالعلة والدواء. إنه يشمل حكما مستوى المعيشة، والنظافة العامة، والعناية بالبيئة، والضمان الاجتماعي، وقدرة المجتمع على الاهتمام بالجماعات المستضعفة فيه، والوعي العام، وثقافة التضامن. ذلك إضافة للشعور المجتمعي بأن المرض، كظاهرة عامة، هو مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، بين المريض والمعافى، بين الأوساط المستعدة للوباء وتلك الأقل استعدادا نظرا للتحصنات الوقائية الأولية.

لقد كان من مهمات الحضارة الغربية قتل أمراض حقبة تجاوزتها، لكنها بالتأكيد قد أتت لنا بأمراض جديدة. والأسئلة الصعبة التي تطرح نفسها في البلدان الفقيرة هي: هل يمكن مواجهة ظروف لا إنسانية منتجة للأوبئة بالطب العلاجي؟ أم أننا سنعود للنبذ والاستئصال بعد أن صار وصم المرض جزءا من عملية المواجهة؟ أي صار الوصم جزءا من الفشل العام في حق الإنسان الطبيعي بالماء الصالح للشرب وطعام الحد الأدنى وسكن الضرورة والمرافق الصحية غير الإمراضية pathogène . أليست الحاجة ملحة لإعادة النظر بحق الشعوب الفقيرة بالبحث الخاص بأوبئتها، حيث ما ينالها من إنجازات الطب الدوائي لا يتعدى 5% من البحث الوبائي؟ أليس من الضروري وضع حد للملكية البحثية والدوائية في العالم الفقير؟ ألم يدق ناقوس الخطر بعد من غياب صندوق عالمي جدير بالتسمية لمساعدة الدول الفقيرة من أجل تمكينها من تحديد المجموعات العالية الخطر والاهتمام بالخريطة الباثولوجية لبلدانها وإرفاق الجانب العلمي المحض بالبحوث النفسية والاجتماعية والاقتصادية الضرورية؟ متى ستتوقف الدول الأغنى عن التعامل بمنطق الشفقة مع ظواهر تفتك بالوجود البشري برمته؟ ألا يحق لنا التساؤل عما إذا كان بوسع المنظومة التي أنتجت هذه الظواهر أن تنجح ضمن منطقها الخاص في تخليص المناطق الأكثر هشاشة وضعفا مما تسببت به لها؟

مراجع أساسية

-Annette Thomé-Renault : Le traumatisme de la mort annoncée, psychosomatique et Sida, éd. Dunod, Paris, 1995

-Mahmoud Mohamed Salah, Les contributions du droit modialisé, Puf, 2002

-La sécurité humaine maintenant, rapport de la Commission sur la sécurité humaine, Presses de sc.po, 2003

-Michel Bounan, Le temps du sida, Allia, 1990

- Jean Michel de Forges, Le droit de la santé, rééd. Que sais-je, Puf, 2004

 

                                             

ملاحق

بعض النصوص حول الآداب الطبيّة

 ودور الجهاز الطبي في حماية الإنسان

1- مبادئ الأخلاق الطبية للأمم المتحدة (1982)

خاصة بدور أعضاء المهن الصحية وخاصة الأطباء في حماية المساجين والمعتقلين من التعذيب والممارسات القاسية أو اللاإنسانية أو المحطّة للكرامة.

المبدأ الأوّل

على أعضاء المهن الصحية وخاصة الأطباء معالجة المساجين والمعتقلين وحماية صحتهم البدنية والعقلية بكيفية لا تختلف من ناحية المستوى والمقاييس على ما يتمتّع به غيرهم خارج السجن أو المعتقل.

المبدأ الثاني

إن القيام أو محاولة القيام بأعمال تعذيب أو ممارسات قاسية ومحطّة بالكرامة بصفة مباشرة أو غير مباشرة من طرف أشخاص ينتمون إلى المهن الصحيّة, خاصة إذا كانوا أطباء, يمثل انتهاكا صارخا للأخلاق الطبية وجريمة في نظر القانون الدولي.

المبدأ الثالث

يقع انتهاك الأخلاق الطبيّة كلما قام أعضاء من المهن الصحيّة, خاصة إذا كانوا أطباء, بربط علاقات مهنية مع مساجين أو معتقلين لا تهدف فقط إلى تقييم وحماية وتحسين صحتهم البدنية والعقلية.

المبدأ الرابع

يقع انتهاك الأخلاق الطبيّة كلما قام أعضاء من المهن الصحيّة خاصة إذا كانوا أطباء:- باستعمال معلوماتهم وخبرتهم في استنطاق المساجين أو المعتقلين، ونتج عن هذا الاستنطاق انعكاسات سلبية على صحتهم البدنية أو العقلية أو على حالتهم البدنية أو النفسية, وهذا ما لا يقبله القانون الدولي.

بالشهادة أو المشاركة في الشهادة أن مساجين أو معتقلين قادرون على تحمّل عقاب أو ممارسة تكون لها انعكاسات سيئة على صحتّهم البدنية أو العقلية لا يقبلها القانون الدولي.

بالمشاركة بأي شكل من الأشكال في مثل هذا العقاب أو الإيذاء الذي لا يقبله القانون الدولي.

المبدأ الخامس

يقع انتهاك الأخلاق الطبية كلّما قام أعضاء من المهن الصحيّة خاصة إذا كانوا أطباء بأي شكل من الأشكال في تقييد المساجين أو المعتقلين. إلا إذا كان هذا التقييد, اعتمادا على مقاييس طبيّة بحتة, ضروريا لحماية صحتّهم البدنية أو العقلية أو لضمان أمن السجين أو المعتقل نفسه أو لضمان أمن المساجين والمعتقلين الآخرين والحرّاس ولا يمثل خطرا على صحتّه البدنية أو العقلية.

المبدأ السادس

لا يمكن مخالفة هذه المبادئ مهما كان السبب حتى وإن كان الأمر يتعلق بوجود خطر عمومي.

 الجمعية الطبيّة العالميّة

2- بيان طوكيو (1975)

يمثّل بيان طوكيو منذ تبنّيه سنة 1975 بيانا شاملا صادرا عن المهنة الطبيّة حول مسألة التعذيب والممارسات القاسية واللاإنسانية المحطّة بالكرامة المسلّطة على المعتقلين. وقد صدر عن الدورة التاسعة والعشرين للجمعية الطبية العالمية المنعقدة بطوكيو باليابان.

هذا نصّ البيان :

يتمتع الطبيب بامتياز يتمثل في ممارسة فنّه خدمة للإنسانية, فمن واجب الطبيب المحافظة على حياة الإنسان منذ الحمل محافظة تامة حتّى تحت التهديد, والمحافظة على الصحّة البدنية والعقلية للجميع دون تمييز, والتخفيف من آلام المرضى ومن واجبه أيضا عدم استعمال معلوماته الطبية ضد القواعد الأخلاقية الإنسانية.

يمكن تعريف التعذيب على أنه يتمثّل في الآلام الجسمية والنفسية المسلطة بصفة مقصودة ومنظمة أو دون أي سبب ظاهر من طرف شخص أو عدّة أشخاص قاموا بهذه الأعمال من تلقاء أنفسهم أو تنفيذا لأوامر تلقّوها وذلك للحصول على معلومات أو اعترافات أو تعامل من طرف الضحية أو لأي سبب آخر.

يجب على الطبيب ألاّ يقبل وألا يشارك وألاّ يحظر في أعمال التعذيب والأشكال الأخرى للممارسات القاسية واللاإنسانية والمحطّة بالكرامة مهما كان الذنب الذي اقترفته الضحية ومهما كانت التهمة الموجهة إليها ومهما كانت اعتقاداتها أو دوافعها, وذلك في جميع الحالات بما فيها حالات الصراع المدني أو المسلح.

يجب على الطبيب أن يمتنع عن تقديم المقرّات والآلات والمواد وعن استعمال معلوماته لتسهيل التعذيب أو أي شكل من أشكال الممارسات القاسية واللاإنسانية والمحطّة بالكرامة, أو لإضعاف مقاومة الضحية أمام هذه الممارسات.

يجب على الطبيب أن يمتنع عن الحضور عندما يكون المعتقل مهدّدا بالتعذيب أو خاضعا له لأي شكل آخر من الممارسات القاسية اللاإنسانية والمحطة بالكرامة.

يجب على الطبيب أن يتمتع باستقلالية سريريه تامّة عندما يقوم بعلاج شخص تحت مسئوليته الطبية, ذلك أن دوره الأساسي يتمثل في التخفيف من آلام البشر ولا يمكن لأي دافع شخصي أو جماعي أو سياسي أن يقف ضد هذا الهدف النبيل.

عندما يقوم سجين بإضراب عن الطعام يجب على الطبيب ألا يقوم بتغذيته اصطناعيا شريطة أن يكون هذا السجين قادرا على معرفة نتائج رفضه للطعام بصفة واعية ومنطقية, ويجب أن يقع التأكد من هذا من طرف طبيب ثان مستقل, كما يجب على الطبيب أن يفسّر للسجين نتائج قرار رفض الطعام على صحته.

تساند الجمعية الطبيّة العالميّة كل طبيب وكذلك عائلته إذا تعرّض لعملية انتقام أو تهديد نتيجة لرفضه قبول استعمال التعذيب أو أي شكل من أشكال الممارسات القاسية واللاإنسانية والمحطّة بالكرامة, وتدعو المجموعة الدولية والجمعيات الوطنية وكل الأطباء لمساندته.

3- لائحة حول مشاركة الطبيب في تنفيذ حكم الإعدام

(الجمعية الطبيّة العالمية 1981)

نظرا للقلق الناتج عن استعمال طريقة جديدة في تنفيذ حكم الإعدام (حقن مادة سامّة) يمكن أن تجعل الأطباء يشاركون مباشرة في تنفيذ تلك العقوبة, أصدر الكاتب العام للجمعية الطبيّة العالمية بلاغا أدان فيه كل مشاركة للأطباء في تنفيذ حكم الإعدام, كما أصدرت الدورة الرابعة والثلاثون للجمعيّة الطبيّة العالمية هذا البيان:

إن الاجتماع العام للجمعية الطبيّة العالمية يساند ما قام به الأمين العام من إصدار بلاغ باسم الجمعية يدين مشاركة الأطباء في تنفيذ حكم الإعدام.

يؤكد على أن مشاركة الأطباء في تنفيذ حكم الإعدام تتعارض مع الأخلاق الطبية, إلاّ أنّ هذا لا يمنع معاينة الوفاة والشهادة عليها.

يكلّف لجنة الأخلاق الطبيّة بمتابعة هذه القضية متابعة دقيقة.

 

الجمعية العالميّة للطب النفسي

4-بيان هاواي (1983-1977)

أصدر المؤتمر السادس للطب النفسي المنعقد بمدينة هونولولو بجزر هاواي مجلة تحتوي على الالتزامات الأخلاقية للأطباء النفسيين, بدأ تحريرها منذ سنة 1976. والتزمت الجمعية العالمية للطب النفسي في هذا المؤتمر بدراسة كل الادعاءات حول استعمال الطب النفسي لأغراض سياسية. تنفيذا لهذا الالتزام قامت الجمعية سنة 1979 بتكوين لجنة عقدت اجتماعها الأول بباريس في فبراير(شباط) 1980 .

قام المؤتمر السابع للجمعية المنعقد بفيينا في يوليو (تموز) 1983 بتنقيح القرار المؤسس لهذه اللجنة، جاعلاً منها لجنة دائمة تتمتع بمشمولات أوسع, وقام بتنقيح طفيف لبيان هاواي.

هذا نص ّ البيان المنقّح:

الأخلاق عنصر أساسي في فنّ العلاج منذ فجر الحضارة وتعتبر الجمعية العالمية للطب النفسي أن كل من يمارس اختصاص الطب النفسي ويقوم بأبحاث حوله يحتاج إلى مبادئ أخلاقية صارمة. وذلك لدقّة العلاقة التي تربط بين الأطباء والمرضى, ولاختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم في المجتمع المعاصر. وقد وقع إعادة هذه التوصيات للتشجيع على احترام هذه المبادئ احتراما كاملا ولمنع سوء استعمال مفاهيم ومعلومات وتقنيات الطب النفسي. يجب على الطبيب أن يحترم في نفس الوقت القواعد الأخلاقية المفروضة على كل طبيب والقواعد الأخلاقية الخاصة بالطب النفسي كما يجب عليه أن يتحمل مسؤولياته كعضو في المجتمع.

يعتمد التصرّف الأخلاقي على وعي كل طبيب نفساني وعلى حكمه الشخصي. لكن الضرورة تفرض صياغة توصيات مكتوبة لتوضيح المقتضيات الأخلاقية للمهنة. لهذا صادق مؤتمر الجمعية العالمية للطب النفسي على هذه التوصيات للأطباء النفسيين حول الأخلاق. وقد أخذ المؤتمر بعين الاعتبار الفوارق الهامّة في الأرضية الثقافية والأوضاع القانونية والاجتماعية والاقتصادية بين مختلف أجزاء العالم. وهو يعتبر أنّ هذه التوصيات تمثل حدّا أدنى من المبادئ الأخلاقية لمهنة الطب النفسي:

يهدف الطب النفسي إلى معالجة الأمراض العقلية وإلى النهوض بالصحّة العقلية.

يجب على الطبيب النفسي أن يخدم مصالح مريضه في حدود إمكانياته وتماشيا مع المعلومات العلمية والمبادئ الأخلاقية المعترف بها، كما يجب عليه أن يأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة وضرورة التوزيع العادل للموارد الصحيّة. يمكن تحقيق هذه الأهداف بمجهود متواصل في ميدان البحث وفي ميدان تكوين المعالجين والمرضى والجمهور.

يجب على الطبيب النفسي أن يقترح على مريضه العلاج الذي يراه صالحا حسب معلوماته وأن يعامله إن قبل العلاج بالعناية والاحترام اللذين تقتضيهما كرامة الإنسان. ويجب عليه أن يقوم بتكوين مساعديه ومراقبتهم مراقبة دقيقة إن كانوا ينفذون العلاج الذي قرره. كما يجب عليه أن يطلب مساعدة أحد زملائه كلما دعت الحاجة إلى ذلك وكلما تقدم المريض بطلب معقول في الموضوع.

يهدف الطبيب النفسي إلى بناء علاقة علاجية مع المريض مبنية على الاحترام المتبادل وتحتاج هذه العلاقة في الظروف الحسنة إلى الثقة وحفظ السر والتعاون وتقاسم المسؤوليات. إلا أنه لا يمكن إقامة مثل هذه العلاقة مع بعض المرضى مما يجعل الاتصال بأقرباء المريض ضروريّا. أما عند قيام علاقة غير علاجية ( في طب النفس الشرعي مثلا) فيجب توضيح طبيعة هذه العلاقة بصفة مفصلة للمعني بالأمر.

يجب على الطبيب النفسي أن يعلم المريض بطبيعة مرضه وبالطرق المستعملة لمعالجته بإمكانيات العلاج الأخرى إن وجدت وبالنتيجة المرتقبة لهذا العلاج, وأن يقدم هذا الإعلام باحترام إلى المريض الذي من حقه الاختيار بين مختلف الطرق العلاجية المناسبة.

لا يمكن القيام بأيّ مسعى أو علاج دون موافقة المريض إلاّ في حالة عجزه, من جرّاء إصابته العقلية, عن معرفة مصلحته أو إذا كان لغياب العلاج نتائج وخيمة ممكنة على المريض أو على غيره.

يجب على الطبيب النفسي أن يضع حدّا للعلاج المسلّط على مريض ضد إرادته عندما تنتفي الظروف التي جعلت هذا الإجراء ضروريا, ويجب الحصول على موافقة المريض في حالة مواصلة العلاج. كما يجب على الطبيب النفسي إعلام المريض و/أو أقربائه أو الأشخاص الذي يعنيهم الأمر بإمكانيات استئناف قرار الإيداع الإجباري بالمستشفى أو أي قرار آخر.

يجب على الطبيب النفسي ألا يستعمل أبداً إمكانياته المهنية لانتهاك حقوق الإنسان أو النيل من كرامة أي شخص أو مجموعة وألا يجعل رغباته وعواطفه واعتقاداته أو أضرار تعرّض إليها تؤثر على العلاج. كما يجب عليه في كل الحالات ألا يستعمل إمكانيات مهنته في صورة غياب أي مرض عقلي. وإذا طلب منه مريض أو أي شخص آخر القيام بعمل يتناقض مع المعلومات المهنية ومع المبادئ الأخلاقية من واجبه أن يرفض ذلك.

ينطبق السر المهني على كل ما يقوله المريض للطبيب النفسي وكل ما يلاحظه هذا الأخير عند الفحص والعلاج. ولا يمكن رفع هذا الالتزام إلا إذا وافق المريض, أو لتجنب أضرار تحصل له أو لأشخاص آخرين, غير أنه يجب إذّاك إعلام المريض برفع هذا الالتزام في هذه الحالة.

مساهمة المريض ضرورية لتقدّم معلومات وتقنيات الطب النفسي ونشرها. إلا انه يجب الحصول على موافقة المريض الواعية قبل تقديمه إلى الطلبة أو عند استعمال حالة سريرية في نشرة علمية. كما يجب احترام كرامته وعدم نشر اسمه وصيانة سمعته الشخصية. عندما يشارك المريض في مشروع بحث, يجب أن يكون ذلك بمحض إرادته وبعد حصوله على معلومات كاملة حول أهداف المشروع والتقنيات المستعملة والأخطار أو المضايقات الممكنة والتي يجب ألاّ تفوق الفوائد المرتقبة. كما يجب أن يحتفظ المريض بكل حقوقه وأن يمارسها عند مشاركته في الأبحاث السريرية.

أما فيما يخص الأطفال والمرضى الذين لا يمكنهم التعبير عن موافقة واعية فيجب الحصول عليها من المسؤول عليهم قانونيا.

يتمتع كل شخص أو مريض يشارك في بحث بحرّية الانسحاب منه في أيّ وقت ومهما كان السبب ويجب ألا يؤثر هذا الانسحاب على جهود الطبيب النفسي لمساعدته.

يجب على الطبيب النفسي أن يعلق كل علاج وكل تدريس وكل برنامج بحث لا يتماشى مع مبادئ هذا البيان.

 

 

المجلس الدولي للممرضات

 

5-دور الممرضة في معالجة المعتقلين والمساجين- 1975

 

صدر هذا البيان عن اجتماع مجلس النائبات التابع للمجلس الدولي للممرضات المنعقد بسنغافورة في أغسطس (آب) 1975

تؤكد مجلة الممرضة التي أصدرها المجلس الدولي للممرضات على أن:

1) المسؤوليات الأربع الأساسية للممرضة هي النهوض بالصحة والوقاية من المرض وصيانة الصحة والتخفيف من الألم،

2) مسؤولية الممرضة الأولى تتمثل في تقديم العلاج للأشخاص الذين هم في حاجة له،

3) سلوك الممرضة في نشاطها المهني يجب أن يشرّف المهنة،

4) تأخذ الممرضة الإجراءات اللازمة لحماية الفرد عندما يقوم زميل أو شخص آخر بإعطائه علاج يمثل خطرا عليه.

يؤكد المجلس الدولي للممرضات من جديد على مساندته لمعاهدة جنيف لسنة1949 وملاحقتها الإضافية التي تنص أنه في حالة قيام نزاع مسلح على المستوى الوطني أو الدولي :

1) أن أعضاء القوات المسلّحة والمساجين والأشخاص الذين لا يشاركون مشاركة مباشرة في المعارك:

يجب حمايتهم وتمكينهم من العاج في حالة إصابتهم بجروح أو بمرض،

يجب معاملتهم معاملة إنسانية وذلك يعني:

       - عدم تعريضهم إلى اعتداءات جسدية وإلى تجارب طبية أو علمية مهما كانت طبيعتها إلا إذا كانت   هذه التجارب في مصلحتهم وضرورية لعلاجهم،

       - عدم تركهم قصدا دون إغاثة ودون علاج, وعدم عرضهم للعدوى وللتعفّن،

- معاملتهم معاملة إنسانية وتمكينهم من العلاج دون تفريق يعتمد على الانتماء العرقي أو الوطني أو الديني أو السياسي أو على عنصر آخر من هذا القبيل.

 

2) تبقى الممارسات الآتية ذكرها ضد هؤلاء الأشخاص ممنوعة في كل مكان وفي كل مكان وفي كل زمان:

الاعتداء على الحياة البشرية وعلى الشخص وخاصة القتل بكل أشكاله والتشويه والممارسات القاسية والتعذيب،

انتهاك الكرامة الشخصية وخاصة الممارسات المهينة والمحطّة بالكرامة. يساند المجلس الدولي للممرضات البيان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة وخاصة الفصول التالية :

يتمتع كل شخص بالحقوق والحريات المذكورة في هذا البيان دون أي تمييز بسبب الانتماء العرقي أو اللوني أو اللغة أو الدين أو القناعات السياسية أو الانتماء الوطني أو الاجتماعي أو المال أو غيرها (الفصل الثاني).

لا يمكن تسليط التعذيب أو أية ممارسة قاسية لا إنسانية ومحطة بالكرامة على أي ّ شخص

         يتعرض المعتقلون والمساجين السياسيون لاستعمال متزايد لطرق استنطاق تضّر بصحتهم البدنية والعقلية بصفة دائمة في أغلب الحالات والمجلس الدولي للممرضات لا يسعه إلا أن يدين استعمال هذه الطرق المضّرة بصحة المعتقلين.

يجب على الممرضات اللاتي يعلمن بتسليط ممارسات ضارّة بدنيا أو عقليا على معتقلين أو مساجين اتخاذ الإجراءات اللازمة ومن بينها إعلام المنظمات الوطنية و/أو الدولية, ومن جهة أخرى لا يمكن للممرضات العاملات في مصالح السجون القيام بمهام مرتبطة بأمن السجن كالتفتيش الجسدي مثلا.

يجب على الممرضات ألا يشاركن في التجارب السريرية على المساجين إلا إذا تلقّى السجين واستوعب تفسيرا كاملا لطبيعة هذه التجارب وأخطارها وقبل المشاركة فيها.

تكون المسؤولية الأولى للممرضة تجاه مرضاها بغض النظر عن أي اعتبار أمني وعن أي اعتبار يتعلق بالمصلحة الوطنية.

                                                                 

6- دور الممرضة في صيانة حقوق الإنسان -1983

تلبية لطلب جمعيات الممرضات الراغبة في الحصول على توصيات لضمان حقوق الممرضات والأشخاص الذين يعالجنهم، أصدر المجلس الدولي للممرضات في اجتماع برازيليا في يونيو (حزيران) 1983 البيان التالي:

لا يمكن حصر الظروف التي تجد فيها الممرضة نفسها مضطرّة للتحرك من أجل صيانة حقوق الإنسان نظرا لتنوع واختلاف الأوضاع على المستوى الدولي. فالممرضة مسؤولة على أعمالها المهنية وعليها أن تعرف بوضوح ما يجب أن تقوم به في مثل هذه الظروف.

زد على ذلك أن الصراعات تكاثر عددها وأصبحت تأخذ في عدة أحيان شكل الانتفاضة السياسية أو الحرب الدولية وإن ّ طبيعة الحرب تطورت بسرعة. مما يجعل الممرضة تتعرّض لأوضاع لا تعرف بالضبط كيف تجابهها. كما أن التقدم الحاصل في ميدان المواصلات عزّز الاهتمام بهذه الصراعات في مختلف شرائح المجتمع.

لا تفرض ضرورة التدخل لصيانة حقوق الإنسان نفسها على الممرضات في حالة حرب أو انتفاضة سياسية فقط بل وأيضا في السجن وحتى في العمل اليومي عند ملاحظة اعتداء على حقوق المرضى أو حقوق الممرضات أو غير ذلك. يجب على الممرضات في هذه الحالة الدفاع على حقوق المعنيين بالأمر. وذلك بالانتباه إلى الممارسات البدنية والعقلية الضارة أو إلى علاج مكثف بإفراط أو إلى عدم وجود علاج. كما يمكن أن يلجأ البعض إلى استعمال معلوماتهن ومهارتهن لأهداف مضرة بالمريض أو بغيره.

ساهم التقدم العلمي بإتقان أشكال التعذيب والطرق المستعملة لإعادة الوعي للمعذبين والمحافظة على حياتهم وذلك لتسليط حلقات أخرى من التعذيب عليهم. يجب على الممرضة أن تعرف كيف تتصرف في وضعيات مثل هذه وألا تشارك البتة في هذه الممارسات والتجارب.

تتحمل الممرضة شخصيا مسؤولية ما تقوم به في هذه الحالات لكن ّعملها يكون أكثر وزنا عندما يقع طرق مسائل حقوق الإنسان في إطار جماعي. لهذا يجب أن توفر الجمعيات الوطنية للممرضات من خلال هياكلها إمكانية طلب رأي سرّي أو نصيحة أو دعم لمجابهة هذه الأوضاع الصعبة, كما يجب التحقيق في الأحداث المنقولة.

يمكن للجمعيات الوطنية للممرضات أن تقوم بدور الناطق باسم الممرضات المعنيات بالأمر والتفاوض باسمهن مع وجوب احترام الطابع السرّي لهذه العملية, كما يمكن للممرضة أن تفضلّ عدم عرض القضية على الجمعية والقيام بأعمال أخرى تعتبرها مناسبة.

يجب على الممرضة التي تقوم بمبادرة أن تكون على علم بحقوقها وبحقوق الغير. كما يجب عليها أن تتحلى بالشجاعة الأخلاقية وأن يكون لديها برنامج عمل محكم وأن تكون عازمة على مواصلة عملها حتى تحقيق الهدف. ذلك أن المخاطر الشخصية تمثّل عنصرا يجب أخذه بعين الاعتبار، وعلى كل واحد أن يستعمل قدراته أحسن استعمال.

 

حقوق الأشخاص الذين هم في حاجة إلى علاج

 لكل شخص حق ّ التمتع بالخدمات الصحية بدون اعتبارات مالية أو سياسية أو جغرافية أو عرقية أو دينية. ويجب على الممرضة أن تتأكد من حياد العلاج وأن تضمن العلاج المناسب ( في حدود الإمكانيا ت المتوفرة) لكل من هو في حاجة له طبقا لمجلة الآداب المهنية (مجلة الممرضة الصادرة عن المجلس الدولي للممرضات).

يتمتع المريض-السجين بحقّ رفض الطعام ورفض العلاج ويجب أن تمتنع الممرضة عن المشاركة في إعطائه الطعام أو الدواء بعد التأكد أنه يعرف معرفة واعية نتائج قراره.

 

حقوق وواجبات الممرضات

عندما ننظر إلى حقوق وواجبات أعضاء سلك التمريض, لا يجب أن ننسى أن القيام بعمل أو عدم القيام به يمكن أن يتساويا في إحداث ضرر وأن أعضاء سلك التمريض يتحملون مسؤولية أعمالهم في كلتا الحالتين.

تتمتع الممرضات بحق العمل في إطار مجلة الآداب المهنية وفي إطار قانون التمريض المعمول به في البلاد التي يشتغلن بها، كما يتمتعن بحق ضمان أمنهم الشخصي وضمان عدم التعرض للممارسات الضاّرة أو للتهديد أو للتخويف.

يجب على الجمعيات الوطنية للممرضات أن تشارك في صياغة قانون صحي واجتماعي يعلق بحقوق المرضى وبالمسائل المرتبطة به.

يجب على الممرضة أن تتأكد من قبول المريض عن طواعية الخضوع لبحث أو لعلاج مثل نقل الدم أو التخدير (التبنيج) أو زرع الأعضاء أو غيره ويجب احترام هذا الحق.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 بتصرف من اللجنة العربية لحقوق الإنسان

 

 

 

 

 

 

Conference 

Arabian Scientific Research Challenge and Obstacles

contact us

msehsr1 team

Consulters

Prof. Hussien M Alkaf

Prof. Abdullah A Wali Nasher

Prof. Magdy M Uoseif

Prof. Salahuddin M Hadash

Prof. Abdulkarim Alzabidei

 Dr. Roza Derhim Alaghpary

Dr. Nasser Saeif Kaeed

Dr. Munir Alshamiry

Dr. Aida A Aziz Nouman

Tareek Salah Asaad

Dr. Tarik M Nouman

 

 

أرسل رسالة بريد إلى EstablishmentWebmaster تتضمن أسئلتك أو تعليقاتك حول موقع ويب هذا.
Copyright © 2007 جميع الحقوق محفوظة لموقع CompanyLongName
المقالات تعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

تاريخ التعديل: 2007/12/29